ويخطوان معا إلى الجنتين وملء نفسه البطر وملء جنبيه الغرور وملء قلبه العتو، لقد نسي الله, ونسي شكره على نعمه, وظن أن هاتين الجنتين لن تبيدا أبدا, وأنكر قيام الساعة, وافترض أنها ستجيء, فساعتها سيجد هنالك الرعاية والإيثار، أليس هو من أصحاب الجنان في الدنيا فلا بد وأن يكون جنابه في الآخرة ملحوظا.
ودخل جنته -هكذا- وهو ظالم لنفسه فقال: ما أظن أن تبيد هذه أبدأ وما أظن الساعة قائمة, ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا.
غرور يخامر عقول ذوي الجاه والسلطان والثراء، إن القيم التي يعاملهم بها أهل هذه الدنيا الفانية تظل محفوظة لهم حتى في الملأ الأعلى فما داموا يستطيلون على أهل هذه الأرض فلا بد أن يكون لهم عند السماء مكان محفوظ ملحوظ، إنه جهل وأحلام أطفال، وعقول عصافير.
فأما صاحبه الفقير الذي لا مال له ولا نفر ولا جنة عنده ولا ثمر, فإنه معتز بما هو أبقى وأعلى، معتز بعقيدته وإيمانه, معتز بالله الذي تعنو له الجباه، فهو يجيب صاحبه المتبطر المغرور منكرا عليه كبره وبطره يذكره بمنشئه المهين من ماء وطين, ويوجهه إلى الأدب الواجب في حق المنعم جل جلاله, وينذره عاقبه البطر والكبر، ويرجو عند ربه ما هو خير من جنته وثمارها.