كانت موجة الإرهاب, والتعذيب التي نشرتها قريش, وإشاعتها فائقة حدود الأخلاق والقدرة العظيمة، ولقد استشهدت فيها أم ياسر وأبوه، وعدد آخر هاجر إلى الحبشة, واستمرت معركة العقيدة ثلاثة عشر عاما, إذا حسبت بمقاييس الزمن في نظر الإنسان العجول كانت فطرة طويلة, وكانت لا تبشر ولا يرتجي من ورائها نصر، وهنا تبدو أبعاد المعركة كواحدة من المعالم في الطريق.
إن رسالة الإسلام هي رسالة السلطان الإلهي الذي ينبغي أن يستقر في الأرض ليعبد الناس ربهم على هدى وبصيرة وما على الداعية إلا أن يبلغ دعوة الله بمنهجها وقواعدها وغاياتها، أما أبعاد المعركة بينه وبين أعداء الدعوة فهي أبعاد بعيدة حتما سيكون له فيها النصر إن شاء الله.
وسورة البروج تأتي في الدور المكي لتقدم للفكر الإسلامي أبعاد المعركة.
إن الرواية تنتهي أحداثها في أيام قصار تملأ القلب بشحنة من الكراهية لبشاعة الفعلة وفاعليها, كما تستجيش فيه التأمل فيما وراء الحادث ووزنه عند الله, وما استحقه فاعلوها من نقمته وغضبه فهو أمر لم ينته بعد عند هذا الحد فوراءه حساب الله، "ذلك الفوز الكبير" بهذه الخاتمة يستقر الأمر في نصابه وهي الخاتمة الحقيقية للموقف, فلم يكن ما وقع منه إلا طرفا من أطرافه لا يتم به تمام، وهذه هي الحقيقة التي يهدف إليها هذا التعقيب على حادث أصحاب البروج؛ لتستقر في قلوب القلة المؤمنة في مكة وفي قلوب فئة مؤمنة تتعرض فيما بعد للفتنة والتعذيب على مدى القرون.