وهذا لا يتفق مع غاية التشريع في العهد المكي الذي رفض أن يكون للبشر سلطة تشريعية, والأليق أنه كان يقول: ومصروف ذلك إلى طاقتهم ليأخذ كل بما لاق به، إذ إن هذه الطاقة التي تربى عليها سيدنا أبو بكر وعمر وعثمان قد دربتهم على التبرع السخي في سبيل الله حتى بعد فرض الزكاة, فسيدنا أبو بكر رضي الله عنه تبرع بكل ماله في غزوة العسرة, وعمر تبرع بنصف ماله, وعثمان جهز ثلث الجيش١, فغاية العهد المكي من تشريع الزكاة هي تدريب الطاقة المؤمنة في نفس الفرد المسلم على مثل هذا التصرف عندما تحل الدولة المسلمة أزمة يجد المسلم طاقته فوق تنفيذ الحكم الشرعي الذي لا يسعفه الدولة أو المجتمع في ظروف الحرج والضيق والشدة.
كذلك فإني لا أوافق على تعبير الإمام الشاطبي:"على حسب ما تستحسنه العقول السليمة في ذلك الترتيب إذ ليس للعقل في مجال الشرع استحسان أو استقباح, وإنما مجاله التنفيذ والخضوع".
وهذا هو مراد الإمام الشاطبي: إن الأحكام التي شرعت مطلقة في العهد المكي وترك تنفيذها لدى الجهد للفرد المسلم, وخضوع عقله للنص الشرعي, وهذا ما شرحه بعد إذ يقول:
"وإذا نظرت إلى أوصاف النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله تبين لك فرق القسمين وبين ما بين المنزلتين، وكذلك ما يؤثر من شيم الصحابة وانصافهم بمقتضى تلك الأصول وعلى هذا القسم
١ محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "رضا" ص٣٣٦، ٣٣٧ راجع عبارة الدر ص٢٥٣، راجع الكامل في التاريخ لابن الأثير ج٢ ص٢٧٧.