للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد نجح الإسلام في المدينة في محاربة هذه الأمراض دون كثير من الجهد والسلطة والإعلام كما تفعل الحكومات الأرضية الحديثة؛ ذلك لأن ثلاثة عشر عاما كانت تجاهد فيها الدعوة الإسلامية لخلق إيمان في صدور الجماعة الإسلامية يملك على المسلمين كل شيء في صدورهم وجوارحهم ويستسلمون لله رب العاملين, وهم راغبون إلى الله مؤتنسون برضوانه، وقد تدربوا على سمو كامل من الخلق والأحكام التي تقبلوها بكلياتها فربت فيهم الطاعة إلى غير ما حدٍّ, ما دام ذلك يرضي الله ورسوله وجماعة المسلمين.

ومن هنا فإن الدعوة الإسلامية في العصر الحديث ينبغي أن ترجع إلى هذا المنهج حيث تعمل على إيجاد "لا إله إلا الله" في الصدور كنور يجذب الوجدان والأعضاء إلى خضوع كامل للسلطان الإلهي، ورغبة جياشة في الخضوع لتشريع الله وحده, وإنكار كل سلطان بشري ونظام أرضي يريد أن يفتن الناس عن هذا الصراط المستقيم.

إن القلوب يجب أن تخلص لله أولا وتعلن عبوديتها لجلاله وحده, وتقبل عن حب ورغبة في قبولها شرعه على ما يريده ويشاؤه وترفض أي شرع آخر غيره من ناحية المبدأ والموضوع والغاية، فإذا ما اكتمل لهذا التصور أبعاده في القلب والسلوك قامت الجماعة الإسلامية١ التي تخاطب بتفصيلات ذلك الشرع لتنفذه برغبتها المنبثقة من إخلاصها في العبودية لله وحده، والتحرر من ربقة السلطان البشري، وذلك ما ينبغي أن تتوجه إليه الدعوة الإسلامية في العصر الحديث لا سيما في


١ راجع حول هذا في ظلال القرآن ج٧ ص٨٥-٩٠.

<<  <   >  >>