للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى المدينة وقيام الدولة الإسلامية في طابة فإن هذا المسلك ليس منهاجا للقرآن ولا للإسلام, فإن الإسلام لا يفترض المشكلات افتراضا, ثم يقدم لها الحلول.

ولكنه يواجه الواقع حيث يكون, ويهذب الأمة في المجتمع حين يوجد المجتمع, ويتكون من اللبنات الصالحة التي يربيها على الأكمل والأمثل من الخلق والفهم والإدراك والعقيدة الصافية، وبناء المجتمع الإسلامي لا يقوم بصيحة أو بتكوين سياسي إنما يقوم صرحه على العقيدة والأخلاق, فمتى استقرت لا إله إلا الله محمد رسول الله في الأعماق الغائرة استقر بها في نفس المؤمن النظام الذي تتمثل فيه هذه العقيدة, وتغذيه بنظامها الذي ترتضيه النفوس وتستسلم له حتى قبل أن تعرض عليها تفصيلات هذا النظام، فالمطلوب أولا هو الاستسلام لله، وبمقتضى هذا الاستسلام بالرضى والقبول والانشراح لا تجد صدور المسلمين حرجا فيما فرض لله عليهم بعد ذلك، ولا تتلكأ الجماعة الإسلامية في تنفيذ ما حلل لها أو حرم عليها فيما بعد.

وهكذا نجح الإسلام في العهد المكي بخلق هذا الاستسلام يغرس لا إله إلا الله محمد رسول الله كأساس للحياة يتقبل معه المسلمون كل ما يشرعه الله من حلال أو حرام.

وهكذا كان هذا العهد المكي عاملا مساعدا في بناء المجتمع الإسلامي فيما بعد بالمدينة, ونجاحه في إلغاء الخمر والربا والميسر والرق والتقاليد الجاهلية كلها، دون مضاعفات تهز المجتمع أو ثورات تشوشر على التشريع أو تكره الناس في القانون نفسه.

<<  <   >  >>