للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

"إن أبي وأباك في النار" فهذه نصوص لا يحتجّ بها لأنها في غير محل النزاع، ولأنها محمولة على أن الدعوة قد بلغتهم، ومحل النزاع عندنا هو فيمن لم تبلغه الدعوة والله أعلم.

وأما استدلالهم بالعقل فلا يصحّ لأن العقل لا يدرك به التكليف على انفراده. يقول شيخ الإِسلام ابن تيمية: "والصواب أن معرفته بالسمع واجبة -التكليف- وأما بالعقل فقد يعرف وقد لا يعرف وليست معرفته بالعقل ممتنعة ولا هي واجبة" (١).

وبعد عرضنا لأدلة كل فريق ومناقشتها يظهر لنا ترجيح القول الثالث بأن أهل الفترة يمتحنون، وهو اختيار أهل التحقيق من العلماء. قال الإِمام أبو محمَّد بن حزم رحمه الله: "إن النذارة لا تلزم إلا من بلغته لا من لم تبلغه، وأنه تعالى لا يعذب أحدًا حتى يأتيه رسول من عند الله، فصحّ بذلك أن من لم يبلغه الإِسلام أصلًا فإنه لا عذاب عليه، وهكذا جاء النص من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيوقد لهم نارًا يقال لهم ادخلوها فمن دخلها كانت عليه بردًا وسلامًا (٢).

ويقول ابن القيم رحمه الله: "إن العذاب يستحق بسببين:

أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم إرادتها والعمل بموجبها.

والثاني: العناد لها بعد قيامها وترك إرادة العمل بموجبها.

فالأول كفر إعراض، والثاني كفر عناد، وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفى الله سبحانه وتعالى التعذيب عنه حتى تقوم الحجة بإرسال الرسل" (٣).

ويقول ابن حجر: "فقد صحت مسألة الامتحان في حق من مات


(١) المصدر السابق ج ١ ص ٣١٠.
(٢) الفصل في الملل والأهواء والنحل ج ٤ ص ٦٠ ابن حزم.
(٣) طريق الهجرتين ٥/ ٧ ابن القيم.

<<  <   >  >>