للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يحتاج إلى نظر تحصل له به المعرفة"١.

ويقول: "إن أصل العلم الإلهي فطري ضروري، وإنه أشد رسوخا في النفوس من مبدأ العلم الرياضي، كقولنا: إن الواحد نصف الاثنين، ومبدأ العلم الطبيعي كقولنا: إن الجسم لا يكون في مكانين؛ لأن هذه المعارف أسماء قد تعرض عنها أكثر الفطر، وأما العلم الإلهي فما يتصور أن تعرض عنه فطرة"٢.

والفطرة تدل على اتصاف الخالق بالصفات العلي والكمال المطلق، فهي تدرك أن من يخلق لا يكون كمن لا يخلق قال تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [النحل: ١٧] .

فالخالق لهذا الكون لا يستوي مع غيره، في صفاته وأفعاله وذاته، فهي تدرك علو الصفات، كما تدرك علو الذات، فإنه عارف مؤمن قط: يا الله، إلا وجد في نفسه ضرورة بطلب العلو، لا يلتفت يمنة ولا يسرة، لا يجادل في ذلك مجادل.

والفطرة وإن غشيتها غاشية الإلحاد، تهتدي إلى تفرده تعالى بالألوهية يظهر ذلك في أوقات الشدة والمحنة، فإن القلب يفزع إلى خالقه، ويلجأ إلى بارئه، عند حلول الحوادث العظام والخطوب الجسام، قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: ٦٧] .

"والإسلام بعقائده وأحكامه موافق للفطرة لا يعارضها، بل كلما كانت العقائد والأحكام بعيدة عن الإسلام، كانت معارضة للفطرة الصحيحة مضادة لها، ففي الفطرة محبة العدل وإيثاره، وبغض الظلم والنفار منه، واستقباح إرادة الشر لذاته، لكن تفاصيل ذلك إنما تعلم من جهة الرسل، فالطفل عند أول تمييزه إذا ضرب من خلفه


١ مجموع الفتاوى "١٦/ ٣٢٨".
٢ المرجع السابق "٢/ ١٥-١٦".

<<  <   >  >>