كتاب طريق الهداية مبادئ ومقدمات علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة

الفصل الأول: مبادىء علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة - المبحث السادس: استمداد علم التوحيد - ص: 169

المولود على الفطرة هو: "أن الطفل خلق سليما من الكفر على الميثاق الذي أخذه الله على ذرية آدم حين أخرجهم من صلبه"١، والفطرة قبول الإسلام، فهي كالأرض الخصبة القابلة، والوحي كالغيث النازل من السماء، ما إن ينزل عليها حتى تهتز وتربو وتنتب من كل زوج بهيج.

والفطرة السوية تقبل الإسلام، وتهتدي إلى وجود الخالق بما أودع الله الخلائق من قوانين كلية، تظهر آثارها في الطفل الناشئ الذي لم يتعلم أو يتكلم، فهو يدرك أن الحادث لا بد له من محدث، وأن الجزء دون الكل، وأنه يستحيل الجمع بين المتناقضين، وهذا من أوائل العقل وبواكيره، وقلوب بني آدم مفطورة على قبول الإسلام، وإدراك الحق ولولا هذا الاستعداد ما أفاد النظر ولا البرهان، شأنها في ذلك شأن الأبدان، فطرها الله تعالى قابلة للانتفاع، والاغتذاء بالطعام والشراب، ولولا هذا الاستعداد لما حصل انتفاع.

والفطرة السوية تهدي العبد إلى أصول التوحيد والإيمان، وجمهرة أهل العلم من أهل السنة وغيرهم على فطرية الإيمان، وليس يحتاج العبد لتحصيله من أصله إلى استدلال أو برهان، فضلا عن أن يشك ويخرج من ثوب اليقين والإذعان، "والقلوب مفطورة على الإقرار به سبحانه أعظم من كونها مفطورة على الإقرار بغير من الموجودات، كما قالت الرسل: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم: ١٠] "٢.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الإقرار والاعتراف بالخالق فطري ضروري في نفوس الناس، وإن كان بعض الناس قد يحصل له ما يفسد فطرته حتى

---

١ مجموعة الرسائل الكبرى لابن تيمية "٢/ ٣٣٣، ٣٣٤".
٢ درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية "٨/ ٣٨".