للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"إنك تجد أهل الكلام أكثر الناس انتقالا من قول إلى قول، وجزما بالقول في موضع، وجزما بنقيضه وتكفير قائله في موضع آخر، وهذا دليل عدم اليقين ... أما أهل السنة والحديث، فما يعلم أحد من علمائهم، ولا صالح من عامتهم، رجع قط عن قوله واعتقاده، بل هم أعظم الناس صبرا على ذل، وإن امتحنوا بانناع المحن، وفتنوا بأنواع الفتن، وهذه حال الأنبياء وأتباعهم من المتقديم كأهل الأخدود ونحوهم، وكسلف الأمة من الصحابة والتابعين وغيرهم من الأئمة ... وبالجملة فالثبات والاستقرار في أهل الحديث والسنة أضعاف أضعاف ما هو عند أهل الكلام والفلسفة"١.

وقال أيضًا رحمه الله: "حدثني من قرأ على ابن واصل الحموي٢ أنه قال: أبيت بالليل وأستلقي على ظهري، وأضع الملحفة على وجهي، وأبيت أقابل أدلة هؤلاء بأدلة هؤلاء وبالعكس، وأصبح ما ترجع عند شيء"٣.

وقال ابن أبي الحديد المعتزلي -يصف حاله وحال إخوانه من المتكلمين-:

فيك يا أغلوطة الفكر ... حار أمري وانقضى عمري

سافرت فيك العقول فما ... ربحت إلا أذى السفر

فلحي الله الأولى زعموا ... أنك المعروف بالنظر

كذبوا إن الذي ذكروا ... خارج عن قوة البشر

أين هذه الحيرة والاضطراب في الظلمات، ممن التزم المحجة البيضاء ليلها كنهارها، فهو على نور من ربه، وما أروع ما سطره يراع ابن القيم في شرح قوله تعالى:


١ المصدر السابق "٤/ ١٥٠، ٥١".
٢ وهو رأس في الكلام والفلسفة.
٣ درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية "٣/ ٢٦٣، ٢٦٤".

<<  <   >  >>