للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"أعمال القلوب هي الأصل، وأعمال الجوارج تبع ومكملة، وإن النية بمنزلة الروح، والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء، الذي إذا فارق الروح فموات.... فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح"١.

والإخلاص يتوقف في حصوله وكماله على معرفة العبد لربه، وتعظيمه وتأليهه، ومعرفة أسمائه تعالى وصفاته، وإحصائها والتعبد لله بمقتضاها، فمن كان بالله أعرف كان له أخلص، وفيما عند الله تعالى أرغب، ومن عقوبته أرهب.

والإخلاص إذا تمكن من طاعة من الطاعات مهما كانت يسيرة، فإن الله تعالى يغفر بها الذنب ويضاعف الأجر، يقول شيخ الإسلام في هذا الشأن: "والنوع الواحد من العمل قد يفعله الإنسان على وجه يكمل فيه إخلاصه وعبوديته لله، فيغفر الله به كبائر كما في حديث البطاقة٢ ... فهذه حال من قالها بإخلاص وصدق، كما قالها هذا الشخص، وإلا فأهل الكبائر الذين دخلوا النار كلهم يقولون: لا إله إلا الله، ولم يترجح قولهم على سيئاتهم، كما ترجح قول صاحب البطاقة".. ثم ذكر رحمه الله حديث البغي التي سقت كلبا فغفر الله لها.. والرجل الذي أماط الأذى عن الطريق فغفر الله له، ثم قال: "فهذه سقت الكلب فغفر لها.. فالأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص"٣.


١ بدائع الفوائد لابن القيم "٣/ ٧٠٥".
٢ عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين رجلا سجلا كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يارب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يارب، فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك فيقول: يارب هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: فإنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله تعالى شيء". أخرجه أحمد في المسند والترمذي، والحاكم في المستدرك، وصححه الألباني في صحيح الجامع "١٧٧٦"، الصحيحة "١٣٥".
٣ منهاج السنة النبوية لابن تيمية "٦/ ٢١٨-٢٢٠" بتصرف يسير.

<<  <   >  >>