للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيًا: ثبوت كمال الدين وتمام تبليغ الرسالة:

فالرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أوقف أمته على أصول ومسائل العقيدة بحيث لم يترك من تفاصيلها شيئًا إلا بينه، وهذ المعنى من ضرورات إكمال الدين الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣] ، إذ العقيدة هي أهم ما في الدين.

نقل شيخ الإسلام -رحمه الله عن الخطابي قوله: "وكان الذي أنزل عليه -أي النبي صلى الله عليه وسلم- من الوحي وأمر بتبليغه هو كمال الدين وتمامه، لقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة: ٣] ، فلم يترك شيئًا من أمور الدين، قواعده وأصوله، وشرائعه وفصوله، إلا بينه وبلغه، على كماله وتمامه، ولم يؤخر بيانه عن وقت الحاجة إليه، إذ لا خلاف بين فرق الأمة أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز بحال، ومعلوم أن أمر التوحيد، وإثبات الصانع لا تزال الحاجة ماسة إليه أبدًا في كل وقت وزمان، ولو أخر عنه البان لكان التكليف واقعًا بما لا سبيل للناس إليه، وذلك فاسد غير جائز"١.

وقال ابن القيم: "فعرف أي النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس ربهم ومعبودهم غاية ما يمكن أن تناله قواهم من المعرفة، وأبدأ وأعاد واختصر وأطنب في ذكر أسمائه وصفاته وأفعاله، حتى تجلت معرفته سبحانه في قلوب عباده المؤمنين، وانجابت سحائب الشك والريب عنها، كما ينجاب السحاب عن القمر ليلة إبداره، ولم يدع لأمته حاجة في هذا التعريف لا إلى من قبله، ولا إلى من بعده، بل كفاهم وشفاهم وأغناهم عن كل من تكلم في هذا الباب.. وعرفهم الطريق الموصل لهم إلى ربهم ورضوانه ودار كرامته، ولم يدع حسنًا إلا أمرهم به، ولا قبيحًا إلا نهاهم عنه، كما قال: "ليس من عمل يقرب إلى


١ درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية "٧/ ٢٩٥، ٢٩٦".

<<  <   >  >>