للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اختلافًا ولا تفرقًا في شيء وإن قل، بل لو جمعت جميع ما جرى على ألسنتهم، ونقلوه عن سلفهم، وجدته كأنه جاء من قلب واحد، وجرى على لسان واحد، وهل على الحق دليل أبين من هذا؟ "١.

وإذا كان أهل السنة يستقون عقيدتهم من نبع واحد هو الوحي المعصوم، حتى صارت التوقيفية من أخص خصائص العقيدة عندهم، فإن أهل الأهواء والبدع قد تعددت مشاربهم، وخلطوا في مصادر عقائدهم، فتراهم يستدلون بالعقليات والأوهام، والظنون، والذوق، وآراء الرجال، والفلسفات، والروايات الضعيفة، وما لا أصل له، وغير ذلك من المصادر المنحرفة، وما كان من النصوص موافقًا لأصولهم البدعية وأهوائهم الردية أثبتوه، وما كان منها مخالفًا لأقوالهم وآراء كبرائهم تأولوه وردوه، فلم فلم يكن اعتمادهم في الحقيقة على الكتاب والسنة، بل على أصولهم البدعية.

قال ابن القيم -رحمه الله: "وحقيقة الأمر أن كل طائفة تتأول ما يخالف نحلتها ومذهبها، فالعيار على ما يتأول وما لا يتأول هو المذهب الذي ذهبت إليه، والقواعد التي أصلتها، فما وافقها أقروه ولم يتأولوه، وما خالفها فإن أمكنهم دفعه وإلا تأولوه، ولهذا لما أصلت الرافضة عداوة الصحابة ردوا كل ما جاء في فضائلهم والثناء عليهم أو تأولوه، ولما أصلت الجهمية أن الله لا يتكلم ولا يكلم أحدًا، ولا يرى بالأبصار، ولا هو فوق عرشه مبائن لخلقه، ولا له صفة تقوم به، أولوا كل ما خالف ما أصلوه، ولما أصلت القدرية أن الله سبحانه لم يخلق أفعال عباده، ولم يقدرها عليهم أولوا كل ما خالف أصولهم، ولما أصلت المعتزلة القول بنفوذ الوعيد، وأن من دخل النار لم يخرج منها أبدًا، أولوا كل ما خالف أصولهم، ولما أصلت المرجئة أن الإيمان هو المعرفة، وأنها لا تزيد ولا تنقص، أولوا ما خالف أصولهم، ولما أصلت الكلابية أن الله سبحانه لا


١ المصدر السابق: "٢/ ٢٢٤، ٢٢٥".

<<  <   >  >>