الناس، والنصارى غلوا فأشركوا بهم، ومن هو دونهم قال الله فيهم:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[التوبة: ٣١] ، والمسلمون آمنوا بهم كلهم ولم يفرقوا بين أحد منهم، فإن الإيمان بجميع النبيين فرض واجب، ومن كفر بواحد منهم فقد كفر بهم كلهم، ومن سب نبيا من الأنبياء، فهو كافر يجب قتله باتفاق العلماء، وفي استتابته نزاع، قال تعالى:{قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[البقرة: ١٣٦] ، وقال تعالى:{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}[البقرة: ١٧٧] .
وكذلك المسلمون وسط في النسخ، فإن اليهود قالوا: ليس لرب العالمين أن يأمر ثانيًا بخلاف ما أمر به أولًا، والنصارى جوزوا لرءوسهم أن يغيروا شريعة المسيح، فيحللوا ما شاءوا ويحرموا ما شاءوا، والمسلمون قالوا: رب العالمين يأمر بما يشاء له الخلق والأمر، وليس لأحد من الخلق أن يغير دينه ولا يبدل شرعه، ولكن هو
يحدث من أمره ما يشاء فينسخ ما يشاء، ويثبت ما يشاء.
وكذلك في الشرائع كالحلال والحرام، فإن اليهود حرمت عليهم طيبات أحلت لهم عقوبة لهم، وعليهم تشديد في النجاسات يجتنبون أشياء كثيرة طاهرة مع اجتناب النجاسة، والنصارى لا يحرمون ما حرمه الله ورسوله؛ بل يستحلون الخبائث ويباشرون النجاسات، وكلما كان الراهب أكثر ملابسة للنجاسات والخبائث كان أفضل عندهم، والمسلمون أباح الله لهم الطيبات، وحرم عليهم الخبائث، وهم وسط في سائر الأمور"١.