للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن زياد بن عمر القرشي عن أبيه قال: كنت جالسًا عند ابن عمر، فسئل عن القدر، فقال: "شيء أراد الله أن لا يطلعكم عليه، فلا تريدوا من الله ما أبى عليكم"١.

ومما ورد النهي عن الخوض في أمره الروح والغيب الذي لا يدركه العقل، ولا يصل إلى حقيقته، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} [الإسراء: ٨٥] .

رابعًا: أهل السنة والجماعة وسط بين المهملين للعقل، والمقدسين له.

فكثير من جهلة المتصوفة ألغوا عقولهم، وساروا وراء أذواقهم وأوهامهم، وزعموا أنه لا تحصل الأحوال الكاملة إلا مع غياب العقل بالجنون، والسكر والوله! وكثير من المتكلمة عظموا عقولهم وآراءهم، وزعموا أن الأنبياء لم يعرفوا الحق الذي عرفوه، وعقيدة أهل السنة أن: "الأحوال الحاصلة مع عدم العقل ناقصة، والأقوال المخالفة للعقل باطلة"٢.

ومن أبرز الفرق البدعية التي غلت في العقل ورفعته فوق قدره المعتزلة، القائلين بالتحسين والتقبيح العقلي.

فالعقل عندهم يعلم العلم الكامل بحسن الفعل أو قبحه، ومن ثم فهو الحاكم عليه بالحسن والقبح، والفعل حسن أو قبيح في نفسه: إما لذاته، وإما لصفة حقيقية توجب ذلك، وإما لوجوه واعتبارات هو عليها -على خلاف بينهم في ذلك.

قال العزالي: "ذهبت المعتزلة إلى أن الأفعال تنقسم إلى حسنة وقبيحة، فمنها ما يدرك بضرورة العقل كحسن إنقاذ الغرقى والهلكى، وشكر النعم، ومعرفة حسن


١ رواه الآجري في الشريعة ص٢٣٥، وابن بطة في الإبانة الكبرى "١١/ ٣١٣".
٢ مجموع الفتاوى "٣/ ٣٣٩".

<<  <   >  >>