للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصدق، وكقبح الكفران، وإيلام البريء، والكذب الذي لا غرض فيه، ومنها ما

يدرك بنظر العقل كحسن الصدق الذي فيه ضرر، وقبح الكذب الذي في نفع، ومنها ما يدرك بالسمع كحسن الصلاة والحج وسائر العبادات، وزعموا أنها متميزة بصفة ذاتها من غيرها بما فيها من اللطف المانع من الفحشاء الداعي إلى الطاعة، لكن العقل لا يستقل بدركه"١.

فجميع الأفعال عند المعتزلة -ما عدا العبادات المحضة- إما إنه ثبت قبحها والعقاب عليها عقلًا، أو ثبت حسنها والثواب عليها عقلًا.

وقالوا -بناء على ذلك: إن الإنسان مكلف قبل ورود الشرع، حيث قالوا: إنه يجب عليه أن يعرف الله تعالى بالدليل من غير خاطر، وأن يعلم أيضًا حسن الحسن وقبح القبيح، ويجب عليه الإقدام على الحسن، والإعراض عن القبيح كل ذلك يجب قبل ورود الشرع به، فإن قصر في ذلك استوجب العقوبة أبدًا٢.

وكان من آثار غلوهم -أيضًا- في الاعتماد على العقل أنهم أخذوا يؤولون صفات الله -سبحانه وتعالى- بما يوافق عقولهم القاصرة؛ حتى نفوا جميع الصفات.

ومن آثار ذلك أيضًا طعنهم في كبار الصحابة، حتى زعم واصل بن عطاء: أن إحدى الطائفتين من أصحاب الجمل وأصحاب صفين فاسقة٣.

وبناء على ما أصلوه من أصول ومعتقدات فاسدة مبناها على عقول قاصرة وأهواء فاسدة، أخذوا يردون الأحاديث التي جرت غير موافقة لأغراضهم ومذاهبهم، ويدعون أنها مخالفة للمعقول، وقد أدى هذا المنهج العقلاني المنحرف إلى


١ المستصفى للغزالي "١/ ٤٥".
٢ الملل والنحل للشهرستاني "١/ ٤٦، ٤٧".
٣ المصدر السابق "١/ ٤٣".

<<  <   >  >>