للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتوسطة بين الأمرين، ودين الله تعالى بين الغالي فيه والمقصر عنه، والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع الكلام في الذات، ويحتذى في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلومًا أن إثبات رب العالمين إنماهو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف، فإذا قلنا: لله يد وسمع وبصر، فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه، ولا نقول: إن معنى اليد القدرة، ولا إن البصر العلم، ولا نقول: إنها جوارح، ولا تشبهها بالأيدي

والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات للفعل، ونقول: إنما وجب إثباتها؛ لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١] ، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: ٤] "١.

وقال حافظ المغرب ابن عبد البر في التمهيد: "أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لا يكيفون شيئًا من ذلك، ولا يحدون فيه صفة محصورة، وأما أهل البدع، والجهمية، والمعتزلة كلها والخوارج، فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئًا منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود، والحق فيما قاله القائلون به بما ينطق كتاب الله وسنة رسوله، وهم أئمة الجماعة والحمد لله"٢.

وقال أيضًا: "لا خلاف بين فقهاء الأمصار، وسائر أهل السنة -وهم أهل الفقه والحديث- في نفي القياس في التوحيد، وإثباته في الأحكام"٣.


١ الكلام على الصفات للخطيب البغدادي ص٢٠-٢٣، ورواه الذهبي في السير "١٨/ ٢٨٣، ٢٨٤" في ترجمة الخطيب البغدادي، وابن قدامة في ذم التأويل "١٥" عن محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق الزعفراني عن الخطيب.
٢ التمهيد لابن عبد البر "٧/ ١٤٥".
٣ جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ص٧٤.

<<  <   >  >>