للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كانت لأهل البدع مواقف خالفوا بها إجماع أهل السنة بسبب مخالفتهم لهذا الأصل العظيم، فكانوا يجتزئون من النصوص بطرف، مع إغضاء الطرف عن بقية الأطراف، فصارت كل فرقة منهم من الدين بطرف، وبقى أهل السنة في كل قضية عقدية وسطًا بين طرفين، فهم -مثلًا- وسط في باب الوعيد بين غلاوة المرجئة القائلين بأنه لا يضر مع الإيمان ذنبن، وبين الوعيدية من الخوارج والمعتزلة القائلين بتخليد عصاة الموحدين في النار، كما أنهم وسط في باب أسماء الإيمان والدين بين المرجئة القائلين بأن مرتكب الكبيرة كامل الإيمان، وبين الوعيدية القائلين بتكفيره -كما هو عند الخوارج- أو بجعله بمنزلة بين المنزلتين -كما هو عند المعتزلة، وهو وسط في باب القدر بين القدرية النفاة لمشيئته تعالى وخلقه أفعال العباد، وبين الجبرية النفاة لقدرة العبد، واختياره ومشيئته ونسبة فعله إليه حقيقة، والقاعد الهادي عند اشتباه الأدلة: "أن من رد ما اشتبه إلى الواضح منها، وحكم محكمها على متشابهها عنده، فقد اهتدى، ومن عكس انعكس"١.

واتفق لأهل السنة والجماعة "موافقة طريقة السلف من الصحابة والتابعين، وأئمة الحديث والفقه في الدين، كالإمام أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، والبخاري، وإسحاق، وغيرهم، وهي رد المتشابه إلى الحكم، وأنهم يأخذون من المحكم ما يفسر لهم المتشابه ويبينه لهم، فتتفق دلالته مع دلالة المحكم، وتوافق النصوص بعضها بعضًا، ويصدق بعضها بعضًا، فإنها كلها من عند الله، وما كان من عند الله، فلا اختلاف فيه ولا تناقض، وإنما الاختلاف والتناقض فيما كان من عند غيره"٢.


١ تفسير ابن كثير بتصريف يسير "١/ ٣٤٥".
٢ إعلام الموقعين لابن القيم "٢/ ٢٩٤".

<<  <   >  >>