للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢] ، وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ، لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: ٤١، ٤٢] .

وقد حكى الباقلاني الإجماع على منع التعارض بين الأدلة الشرعية في نفس الأمر مطلقًا، كما روى الخطيب البغدادي عنه ذلك فقال: "يقول الباقلاني: وكل خبرين علم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تكلم بهما، فلا يصح دخول التعارض فيهما على وجه، وإن كان ظاهرهما متعارضين؛ لأن معنى التعارض بين الخبرين والقرآن من أمر ونهي وغير ذلك، أن يكون موجب أحدهما منافيًا لموجب الآخر، وذلك يبطل التكليف إن كانا أمرًا ونهيًا، وإباحة وحظرًا، أو يوجب كون أحدهما صدقًا، والآخر كذبًا إن كانا خبرين، والنبي -صلى الله عليه وسلم- منزه عن ذلك أجمع، ومعصوم منه باتفاق الأمة، وكل مثبت للنبوة"١.

ولما خالف أهل البدع هذه القاعدة كفر بعضهم بعضًا، حيث آمن بعضهم بنصوص وكفروا بأخرى، فقد آمن -مثلًا- الوعيد: من الخوارج والمعتزلة بنصوص الوعيد٢، وكفروا بنصوص الوعد، وقابلهم المرجئة فآمنوا بنصوص الوعد٣ وكفروا بنصوص الوعيد، وأهل السنة والجماعة آمنوا بكل وجمعوا بين النصوص، واعتمدوا على قول الله تعالى: {عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: ١٥٦] .


١ الكفاية للخطيب البغدادي ص٤٣٣.
٢ ومن ذلك قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٨١] ، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: ١٤] وقوله -صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة قتات" يعني نمام، متفق عليه، وقوله: "لا يدخل الجنة قاطع يعني قاطع رحم"، متفق عليه.
٣ ومن ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم: "من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة" مسلم، وقوله: "من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله حرمه الله على النار" مسلم.

<<  <   >  >>