للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما إنه الشرط لصحة وقبول سائر العبادات، فلقوله تعالى في حق المؤمنين العاملين: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: ١٢٤] ، ولقوله جل وعلا عن أعمال الكافرين: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: ٢٣] ، فالشرط محبط لجميع الطاعات، قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: ٦٥] ، فكما لا تقبل صلاة بغير وضوء، لا تقبل عبادة بغير توحيد.

فالتوحيد أول ما يتعلمه المسلم، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: ١٩] ، وأوجب ما يدعو الناس إليه، قال تعالى على لسان أنبيائه: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: ٥٩] ، فهو عمدة الأصول التي ينطلق منها الداعية في دعوته إلى الله، وخلافته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولرسل الله عامة.

والتوحيد أصل كل صلاح في هذه الحياة، كما أن الشرك أصل كل فساد، يقول ابن تيمية رحمه الله: فأصل الصلاح: التوحيد والإيمان، وأصل الفساد: الشرك والكفر١.

ولأجل ذلك كله كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يعتنون بالتوحيد علما وتعليمًا، كما يعتنون به عملا وتطبيقا ودعوة، وكان عمدتهم في التعليم والتلقين آيات الكتاب الكريم، وأحاديث النبي الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، فلم تقم لديهم حاجة إلى التدوين لتعويلهم على الوحيين، فلما نبتت البدع وظهرت الفرق، اضطر السلف إلى كتابة الردود على أهل الأهواء، بجمع الآثار والأحاديث المروية في الأبواب التي وقعت فيها المخالفة، ثم كتبت كتب تجمع الآثار مرتبة على مسائل الاعتقاد نصرة للحق، وبيانا لصحيح المعتقد.


١ مجموع الفتاوى لابن تيمية "١٨/ ١٦٣".

<<  <   >  >>