ثم دونت مسائل العقيدة عند أهل السنة مستدلا عليها مع مناقشة مذاهب أهل البدع والرد عليها، وكان هذا في مقابل ما ألفه أهل الأهواء في تقرير انحرافاتهم.
ثم إن المتأخرين عنوا بتدوين مقدمات ومفاتيح للعلوم، تتضمن عشرة مبادئ للتعريف بالعلم، لتنشط الطالب في تحصيله، وتعينه في طريقه.
فقال قائلهم:
إن مبادئ كل فن عشرة ... الحد والموضوع ثم الثمرة
فضله ونسبة والواضع ... الاسم الاستمداد حكم الشارع
مسائل والبعض بالبعض اكتفى ... ومن درى الجميع حاز الشرفا
وكان علم التوحيد من العلوم التي كتبت فيها تلك المقدمات، والمبادئ الممهدات، فكان العجب لا ينقضي حين قدم المتكلمون لعلم التوحيد فسموه بغير اسمه! وعرفه بما يزيده إبهاما! وقربوه للطالب فصعبوا مناله، وأقاموا أدلته بما يملؤه التباسًا، وموهوا بأن واضعه بعدما جاءت به المرسلون، بعض المتأخرين عن عصر التابعين وتابعي التابعين، وألبسوا حلل فضله -زورا وبهتانا- لما أسموه بعلم الكلام، المقتبس من منطق وفلسفة اليونان.
فأردت أن أصل مؤلفات أهل السنة العظيمة في علم التوحيد، بمقدمة في التعريف به، تعيد الحق إلى نصابه، وتدفع عن مبادئ علم التوحيد شبهاته، فاستعنت بالله تعالى وهو خير مستعان، فكتبت معرفا بأهل السنة والجماعة، وبينت حقيقة منهجهم، وبم تتم النسبة إليهم، ونسجت على تلك المبادئ العشرة لعلم التوحيد على طريقتهم، فليس بين ما كتبه المتكلمون، وبين ما في هذا الكتاب من مبادئ علم التوحيد إلا الأسماء.