للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا معلم أصيل من معالم أصحاب الصراط السوي، ألا وهو اقتداء الآخر بالأول، واللاحق بالسابق، من أهل النجاة والسلامة والإحسان.

ولذا عبر بعض العلماء عن معنى الجماعة في الأحاديث، فقال: "هم الصحابة ومن تبعهم بإحسان"، كما قرر ذلك الشاطبي في أول كتابه الاعتصام، حيث قال: "الجماعة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان"١.

ومعنى القدوة في الصحابة أكده ابن مسعود رضي الله عنه حين قال: "من كان منكم مستنا فيستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محد صلى الله عليه وسلم، كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم"٢.

وعلى هذا درج الصالحون من أسلافنا المباركين، يوصون بهذه الوصية الجامعة لخير الدنيا والآخرة.

فهذا ابن المبارك رحمه الله يسأل عن الجماعة: من هم؟ فيقول: "أبو بكر وعمر" إشارة منه بأنهم القدوة لغيرهم من الأمة علما وعملا، وأنهم أفضل الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم باتفاق، فيقال له: "قد مات أبو بكر وعمر"، فيقول: "فلان وفلان"، فيقال له: "قد مات فلان وفلان"، فقال ابن المبارك: "أبو حمزة السكري جماعة"، فوصف رجلا دينا عالما تتمثل فيه القدوة لأهل زمانه، وهذا المسلك في البيان عن الجماعة من ابن المبارك من قبيل إفراد فرد من العام بالذكر،


١ الاعتصام للشاطبي "١/ ٢٨".
٢ جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر "٢/ ٩٧"، وانظر: ذم التأويل لابن قدامة "ص/ ٣٢"، وتحريم النظر في كتب الكلام له أيضًا ص٤٤.

<<  <   >  >>