للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تاسعا: حقوق العمال]

يعطي الإسلام أهمية كبرى للعمل، ويعتبره الميدان الرئيسي لكي يمارس المسلم فيه إيمانه، حتى يتسم العمل بالصلاح والتقوى، ويصبح أداة لإسعاد صاحبه والناس من حوله، وكثيرا لا يذكر الإيمان إلا مقرونا بالعمل الصالح ورديفا له، ومن هذه القاعدة يأتي تكريم العامل وتقديره، باعتباره الأداة التي تمارس هذا العمل الصالح النبيل، وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ} [يس: ٣٥] , ويقول الرسول -عليه الصلاة والسلام: "إن أشرف الكسب كسب الرجل من يده" "مسند الإمام أحمد"، ويفترض الإسلام في العامل أن يتقن عمله، ويواكب الفنون الجديدة في مهنته، وعلى الدول المسلمة أن تعينه على ذلك بتسهيل السبل أمامه للتحصيل والدراسة، وأن توفر له ولأسرته كل أسباب المعيشة الشريفة حتى تستقر نفسه ويقبل على عمله بحماس وإخلاص، وفي ذلك يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم: "من ولي لنا عملا وليس له منزل فليتخذ منزلا، وليس له زوجة فليتزوج، أو ليس له دابة فليتخذ دابة" "مسند الإمام أحمد".

ويكفل ولي الأمر المجتمع المسلم، العامل وأسرته في حالة الشيخوخة أو العجز، وضمان أسرته بعد وفاته، وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في ذلك: "من ترك مالا فلورثته، ومن ترك أيتاما "ضياعا" فليأتني, فأنا مولاه" "البخاري". وواجب الدولة المسلمة أن تهيئ مجالات العمل للعمال وتنشئ لهم المزارع والمصانع والمؤسسات المالية، ولقد اهتم الرسول -صلى الله عليه وسلم- نفسه بعامل فقير، فأرشده إلى مهنة التحطيب، وصنع له الأداة التي يمارس بها تلك الحرفة الشريفة، وعلمه كيف يقتصد من دخله المتواضع حتى يصبح كريما مستغنيا عن الناس، وقد نهى -صلى الله عليه وسلم- عن السؤال واعتبره مهانة لا تليق بالمؤمن الكريم، فقال: "ما يزال الرجل يسأل حتى يأتي يوم القيامة, وليس في وجهه مزعة لحم" "النسائي".

والحقوق التي ضمنها الإسلام للعمال ليست هبة من أحد يملك أن يستردها متى شاء، ولكنها حق من حقوق الله على العباد، شأنها كسائر

<<  <   >  >>