وإذا أصبحت الحرب أمرا محتوما بسبب عدوان دولة أجنبية، فقد راعى المسلمون دائما قوانين الحرب الإنسانية، فقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام:"إن الله كتب الإحسان على كل شيء""الدارمي". ويتضح ذلك من وصية الخليفة الأول إلى الجيش الإسلامي قائلا:"أيها الناس, أوصيكم بعشرة فاحفظوها عني: لا تخونوا، ولا تغالوا، ولا تغدروا، ولا تمثِّلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيرا، ولا شيخا كبيرا، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا، ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة, ولا بعيرا إلا لمأكله، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم, وما فرغوا أنفسهم له"، وذلك يتفق مع دعوة القرآن الكريم:{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا}[الإنسان: ٧] .
فأين هذا السلوك الإنساني الملتزم مع ما نشاهده في عالم اليوم من انفلات كامل في القيم والمبادئ, وتعريض للمدنيين نساء وأطفالا لأسلحة الدمار الشامل, على النحو الذي شاهدناه في فلسطين وكوسوفا والشيشان، أو مقابر القتل الجماعي التي لا يزال أهل البوسنة يعثرون عليها بعد الحرب؟!
وقد تقيد المسلمون بهذه المبادئ في معاملة الأسرى، ولم تمنعهم غلظة قريش وتاريخ التعذيب الطويل من أن يكونوا منصفين، وأن يلتمسوا أي سبب للإفراج عن أسرى الأعداء، فقد قبل الرسول تحرير أسرى بدر مقابل تعليمهم لأبناء المسلمين، كما أن أعدادا كبيرة من قبيلة هوازن سقطوا أسرى المسلمين في معركة حنين, ثم أخلى سبيلهم بعد توقف القتال "البخاري". وفي غزوة بني المصطلق وقع في أسر المسلمين مئات الأسرى، وقد أفرج عنهم جميعا بدون فدية١، وحين أسر الهرمزان أحد قادة الفرس بعد القادسية، ونقل إلى المدينة أفرج عنه الخليفة عمر فاعتنق الإسلام بإرادته، وعاش حرا في أرجاء المدينة على منحة مالية من بيت مال المسلمين.
وللإنصاف التاريخي, فإن معاملة أسرى بدر قد وقعت بين رأيين: واحد: يميل للعفو عنهم أو قبول الفدية ويتزعمه أبو بكر، والآخر: يميل بقتلهم قصاصا منهم لما اجترحوه ضد المسلمين، والرأي الثاني العنيف كان اجتهادا لا يسانده القرآن الكريم كما يذكر الشيباني في كتاب "السير الكبير", ويعلق الأستاذ مارسيل بواسارد في كتابه "إنسانية الإسلام" على هذه الواقعة التاريخية فيقول: "إن القرآن الكريم لا يسمح إلا بأحد أسلوبين: العفو والتحرير، أو الفدية، والتاريخ الإسلامي يؤكد أنه لا الرسول، ولا الخلفاء