للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

سعد، وقد يتصادف أن يكون المبعوث ذا تاريخ سيئ في التعامل مع المسلمين، فلم يكن ذلك يمنع من استقباله بالحفاوة والاستماع إليه، ومن ذلك أن مبعوث مسيلمة الكذاب جاء يحقر الإسلام ويتطاول على شخص النبي الكريم، فلم يكن منه -صلى الله عليه وسلم- سوى أن قال: "لولا أن الرسل لا تُقْتَل لقتلتك" ١. ولعل من المفيد أن نذكر أن كل هذه الأعراف الدبلوماسية قد أكدها الإسلام قبل اتفاقية فيينا للحصانات الدبلوماسية التي لم تعقد سوى في عام ١٩٦١ للميلاد.

ومن ذلك يتضح أن المسلمين مأمورون بنصوص القرآن الكريم: أَلَّا يهاجموا أي دولة أجنبية إذا لم تبادرهم بالعدوان، وألا يكون عدم إسلامها سببا لقيام حروب تسفك فيها دماء بريئة, وخير دليل على ذلك الموقف من الحبشة، فقد ورد على لسان النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: "اتركوا الحبشة ما تركتكم"، وقد بقي المسلمون أمناء على هذه الوصية، فبقيت الحبشة في مأمن من الحرب التي شملت منطقة الشرق الأدنى، حين أصرت بيزنطة وفارس على أن تهاجما الدولة الوليدة في المدينة المنورة, سواء بتحريض القبائل الموالية لهما على تخوم الجزيرة، أو في الهجمات المباشرة بعد ذلك. ويمكن أن يقال: إن سياسة عدم البدء بالعدوان التي انتهجها المسلمون تتفق مع ميثاق الأمم المتحدة الراهن, ولا سيما المادة الثانية من الميثاق.


١ سيرة ابن هشام.

<<  <   >  >>