ليس غريبا أن يؤيد العرب المسلمون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حين يجدون فيه مجموعة من المبادئ الإنسانية السامية، التي تتفق مع دينهم وتقاليدهم، والتي عاشوها بالفطرة قبل أن يعرف الإنسان المعاهدات والمواثيق الدولية، نقول ذلك دون أن نغفل عن حقيقة واضحة يكابد منها عالمنا المعاصر, وهي أن نزعة الإنسان القديمة للسيطرة والظلم والتحكم كثيرا ما تطل برأسها من فوق القيم الخلقية والمبادئ الإنسانية. وفي حالات كثيرة تستخدمها المؤسسات لتنفيذ المآرب والمصالح الوطنية، ونستطيع أن نشير إلى حالات كثيرة وقع فيها الاعتداءات العسكرية على شعوب صغيرة وفرض عليها الحصار تحت أعلام الأمم المتحدة، وكذلك شاهدنا خرق استقلال دول أخرى وطمس حقوقها بدعوى الغيرة على حقوق الإنسان، مما ألقى ظلالة من الشك واليأس ودفع الكثيرين للاعتقاد بأن هذه المواثيق والمؤسسات لم تقم أصلا إلا للحفاظ على الأمر الواقع الدولي، وتحكم الدول الكبيرة في الكيانات الصغيرة، ومنع الاستقطاب الذي يفرز قوى مستقلة. ومع الاعتراف بهذه الحقائق المؤلمة التي تعود لضعف الإنسان وانسياقه وراء شهواته، إلا أننا نرى في ميثاق الأمم المتحدة، وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أهدافا مثالية تلبي حاجات الإنسان للأمن والسلام، ومن الضروري المحافظة عليها وتطويرها نحو الأحسن، وإحاطتها بضمانات جماعية؛ حتى تؤدي أهدافها النبيلة بصورة أحسن تنفيذا لتوصية القرآن الكريم التي تحث على التعاون على الخير {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} .
ولا شك أن واجبا كبيرا يقع على المسلمين حكاما وشعوبا لتبيان ما يمكن أن يقدمه الإسلام من المبادئ والقيم لإغناء هذه المسيرة الخيرة، ومن نافلة القول أن نؤكد أن تقيد المسلمين بحقوق الإنسان في بلادهم هو أهم دعوة لفهم الإسلام, والتصدي للحملات الظالمة التي يتعرض إليها.