للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[ثالثا: حقوق المرأة]

وحين يؤكد الخالق في كتابه المنزل على كرامة النوع الإنساني, فهو تكريم عام لا يُستثنَى منه أحد: فـ "النساء شقائق الرجال" "الترمذي" كما يقول نبي الإسلام -صلى الله عليه وسلم, وكذلك القرآن يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٢٨] ، وحين كانت المرأة في الجاهلية العربية جزءا من متاع الرجل يرثها الأبناء فيما يرثون من المتاع، وكانت المجامع تعقد في أوروبا للبحث في روح المرأة, وهل تعتبر من البشر، جاء الإسلام يرفع من قيمتها، ويؤكد حقوقها، وفي ذلك يقول نورمان دانيال في كتابه القيم "الإسلام والغرب": "إن حقوق المرأة في الإسلام تناقش -عادة- في الغرب من زوايا السيطرة والاستعباد وحياة الحريم، ومع ذلك فإن الإسلام كفل حقوقا أكثر للمرأة مما احتوته قوانين "أملاك النساء المتزوجات" التي لم تصدر في إنجلترا إلا في عام ١٨٦٠".

والواقع حين يتحدث الكاتب المنصف عن نظرة الغرب الظالمة للإسلام, فإنما يعكس تراثا طويلا من العداوة يختلط فيها الجهل مع التآمر المقصود، ذلك أن دوائر معينة أدركت أن من المستحيل مواجهة الإسلام على أرضية العقل، والمنطق، والحجج العلمية، فلم يجدوا أمامهم إلا أسلوب السخرية، والتهجم العشوائي، وهو أسلوب قديم أشار إليه القرآن الكريم في قوله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: ٢٦] .

وفي ذلك تقول السيدة عائشة ليمو: "إن جهل الغرب بالعالم الإسلامي هو جهل مطبق، ولكن إذا كان هناك قضية تظفر بقدر أكبر من الجهل والتحريف فهي قضية المرأة، ووضعها الحقيقي في المنظور الإسلامي"، ثم طرحت الكاتبة نماذج من الأسئلة الساخرة التي تطلق في الغرب عن المرأة المسلمة؛ لتنتهي للقول: "إن الافتراض الذي يكمن وراء تلك التساؤلات هو زعم, دون أي أساس من الحقيقة العلمية"١.

إن مشكلة الغرب الحقيقية في قضية المرأة كما في غيرها من القضايا أنه يتذبذب بين التطرفات الجامحة، فقد كانت النظرة للمرأة نظرة دونية عبَّر عنها فلاسفة اليونان وخصوصا أفلاطون, كما يقول رابيليه: "إنه لم يقرر في أي طبقة يضع المرأة، في طبقة الحيوانات العاقلة، أو الوحوش العجماء؛ ذلك لأن الطبيعة وضعت فيهن حيوانا يختلف عن الرجل"٢. وقد ورثت الحضارة الغربية هذه النظرة الدونية لفترة طويلة، وحين أرادت التخلص منها وثبت للتطرف المقابل حتى بتنا نسمع عن الحركات النسائية الأخيرة التي تبلورت في مؤتمر القمة في بكين تحت عنوان "تسليم السلطة للمرأة" "empowerment of women".

وفي مقابل ذلك أخذ الإسلام الموقف المعتدل من البداية، فأكد كرامة المرأة واعترف لها بحقوقها كابنة وزوجة ووالدة، ثم فتح لها ميدان الحياة العامة بما يتفق مع خصائصها، وملكاتها دون تعسف أو ابتذال، حتى تؤدي دورها الأول في إيجاد منزل مستقر, ومجتمع صحي فاضل.


١ عائشة ليمو: دراسة في "تحديات الإسلام" المجلس الإسلامي الأوروبي.
٢ رابيليه: الكتاب الثالث.

<<  <   >  >>