كانت الشريعة الإسلامية أول من ضمن حقوقا واضحة للأقليات الدينية والعرقية في المجتمع المسلم، لقد أكدت لهم حقوق التملك والعمل، وأصبح ولي الأمر المسلم مسئولا عن حماية أموالهم وأعراضهم أسوة ببقية المواطنين. وهذه التشريعات -أيضا- متصلة بجذور العقيدة الإسلامية، التي تعترف بكل الأديان السماوية وتحترم أنبياءها وكتبها المقدسة، فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:{لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[البقرة: ٢٨٥] .
وجاء أيضا في قوله تعالى:{لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الممتحنة: ٨] ، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام:"إلا من ظلم معاهدا، أو كلفه فوق طاقته، أو انتقصه حقه، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفسه، فأنا حجته يوم القيامة". ولا يجب أن يكون الخلاف حول العقائد سببا في العداوة، أو إنكار الحقوق، وقطع الصلات, فبعد غزوة تبوك في السنة الثامنة للهجرة، استقبل وفدا من نصارى خليج العقبة وعقد مع مندوبهم يوحنا بن رؤبة أمير "العقبة" معاهدة تضمن حرية التجارة، وأمن الملاحة برا وبحرا، هذا نصها كما أوردها ابن هشام:"هذا أمان من الله ومن محمد رسول الله إلى يوحنا بن رؤبة صاحب أيلة وأهلها: سفنهم وسيارتهم في البر والبحر, لهم ذمة الله ومن كان معهم من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر، وأنه لا يحل أن يمنعوا ما يريدونه أو طريقا يريدونه في البر والبحر".
ويذكر في هذا المقام -أيضا- المعاهدة التي أبرمها الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع نصارى نجران بعد أن حاورهم أياما في مسجده بالمدينة حول الدين والعقائد، فبقي كل على دينه لا يغيره، ولكن قبل النصارى سيادة الدولة الإسلامية, وقد جاء في تلك المعاهدة: "إن جوار الله، وذمة محمد رسول الله لأهل نجران، وحاشيتها على أموالهم، وأنفسهم، وملتهم، وغائبهم، وشاهدهم، وعشيرتهم، وبيعهم، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، لا يغير