للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، ولا كاهن من كهنته، ولا يطأ أرضهم جيش، ومن سأل منهم حقا، فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين". وفي ختام هذه المحاورات طلب وفد النصارى من الرسول -عليه الصلاة والسلام- أن يرسل معهم قاضيا من أصحابه, فأرسل معهم معاذ بن جبل -رضي الله عنه١.

وقد بقي خلفاء الإسلام أمناء على هذا العهد حتى إن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أكده في خلافته، وكتب إليهم: "إنكم أتيتموني بكتاب من نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فيه شرط لكم على أنفسكم وأموالكم، وإني وفيت لكم بما كتب لكم محمد -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- فمن أتى عليهم من المسلمين فليوف، ولا يضاموا، ولا يظلموا، ولا ينتقص حق من حقوقهم"٢، وقد أصبح ذلك تقليدا ثابتا عند المسلمين في مجال العلاقات الدولية حتى بعد أن اتسعت تخوم الدولة، وباتت تجاور شعوبا وقوميات مختلفة، فبعد استيلاء السلطان محمد الفاتح على القسطنطينية أبلغ جينماديوس سكولاريوس بطرك الطائفة المسيحية بكتاب قال فيه: "اعمل في الإسلام وليكن الله معك، وثق في صداقتنا في كل الظروف، وتمتع بكل الحقوق التي تمتع بها أسلافك".

وقد كتب المبشر الإنجليزي توماس أرنولد الذي عمل في الهند في كتابه القيم: "إننا لم نسمع بمحاولات منظمة لإرغام أحد على اعتناق الإسلام، أو عن أعمال مدبرة لسحق الدين المسيحي، ولو أن الخلفاء المسلمين قد حرصوا على تبني إحدى هذه الوسائل، فقد كان بوسعهم التغطية على المسيحية بنفس السهولة التي صادفها الملك فرديناد وإيزابيلا، في حملتهما ضد الإسلام في إسبانيا، أو سياسة لويس الرابع عشر ضد البروتستانت في فرنسا. لقد كانت الكنائس الشرقية معزولة تماما عن الدولة المسيحية، وكانت تعتبر -في ذلك الحين- مذاهب منحرفة لدرجة أن أحدا لن يهب


١ تاريخ الطبري.
٢ الخراج لأبي يوسف.

<<  <   >  >>