للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢] ، ولقد تناولت الشريعة الإسلامية بكثير من التفصيل العلاقات الدولية، وبيَّنت القواعد التي تحكمها في حالتي السلم والحرب، وحقوق المواطنين المسلمين وغير المسلمين، وصور التعامل التجاري المختلفة، ومعاملة الأسرى، وغير ذلك. وقد سبق الإسلام غيره بقرون في وضع قواعد إنسانية تحكم هذه الحالات كلها، وكان الإطار الذي تدور فيه النظرة الإسلامية هو تفادي الحروب كلما أمكن ذلك، والوفاء بالعهود تحت كل الظروف؛ التزاما بالتوجيه الرباني: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: ٩١] .

وحين أراد الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يعرض العقيدة الجديدة على حكام الدول المجاورة كان أسلوبه هو الدعوة السلمية، وقد اختار أن أرسل لهم رسلا يحملون كتبا منه، ولولا أن بعض هؤلاء الحكام تجاهل القواعد المرعية وقتل الرسل المسالمين لما وقعت الغزوات العسكرية الأولى كمؤتة وتبوك، التي كانت أقرب للمناورات المسلحة التي ترمي لإرهاب العدو وردعه عن العدوان. ولكن الإمعان في الكيد للإسلام، وتحريض القبائل عليه أدى في النهاية لأن تشمل الحرب منطقة الشرق العربي برمته، وتتطور لتصل إلى قلب أوروبا.

لقد أرسى الرسول -صلى الله عليه وسلم- تقليدا لم يكن مألوفا قبله في إرسال المبعوثين، والدخول في حوار سلمي يحول دون اشتعال الحروب. فقد أرسل عمر بن عميش الضمري بكتاب إلى الحبشة في السنة الثانية للهجرة -رغم أنه لم يكن مسلما- مما وضع سابقة بجواز تعيين غير المسلم لمنصب السفارة١, وكان الرسول يستقبل مبعوثي القوى السياسية في الجزيرة أو الدول المجاورة, ويعاملهم معاملة كريمة حتى إنه خصص بيوتا في المدينة المنورة لإنزال المبعوثين "الأجانب" كان أحدها منزل رملة بنت الحارث بن


١ محمد حميد الله MUSLIM CONDUCT OF STATE.

<<  <   >  >>