للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله١، وذلك لأن الطائفتين ظنت أن مثل هذه الخوارق لا يكون إلا لأولياء الله، ولم يُميّزوا بين الخوارق الشيطانية التي هي جنس ما للسحرة، والكهان، ولعباد المشركين، وأهل الكتاب، وللمتنبئين الكذّابين، وبين الكرامات الرحمانية التي يكرم الله بها عباده الصالحين.

فلما لم يُميّزوا بين هذا وهذا، وكان كثيرٌ من الكفار، والفجار، وأهل الضلال، والبدع لهم خوارق شيطانيّة، صار هؤلاء منهم حزبين؛ حزباً قد شاهدوا ذلك، وأخبرهم به من يعرفون صدقه، فقالوا: هؤلاء أولياء الله، وحزباً رأوا أن أولئك خارجون عن الشريعة، وعن طاعة الله ورسوله، فقالوا: ليس هؤلاء من الأولياء الذين لهم كرامات؛ فكذّبوا بوجود ما رآه أولئك، وأولئك قد عاينوا ذلك أو تواتر عندهم؛ فصار تكذيب هؤلاء مثل تكذيب من ينكر السحر، والكهانة، والجن، وصرعهم للإنس٢، إذا


١ قال شيخ الإسلام رحمه الله: "والناس في خوارق العادات على ثلاثة أقسام: قسم يُكذّب وجود ذلك لغير الأنبياء، وربما صدق به مجملاً وكذّب بما يذكر له عن كثير من الناس لكونه عنده ليس من الأولياء. ومنهم من يظن أن كل من كان له نوع من خرق العادة كان ولياً.
وكلا الأمرين خطأ، ولهذا نجد هؤلاء يذكرون أن للمشركين وأهل الكتاب نصراء يعينونهم على قتال المسلمين، وأنهم من أولياء الله. وأولئك يكذبون أن يكون معهم من له خرق عادة.
والصواب القول الثالث، وهو أن معهم من ينصرهم من جنّهم، لا من أولياء الله.. فيكون لأحدهم من الخوارق ما يناسب حاله. ولكن خوارق هؤلاء يعارض بعضها بعضاً. وإذا حصل من له تمكن من أولياء الله تعالى أبطلها عليهم". الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص ٣٤٢-٣٤٣. وانظر مجموع الفتاوى ١٣٧٧، ٩١.
٢ وممّن أنكر حقيقة السحر، وجعله من جنس التمويه والحيلة، وكذلك الكهانة: المعتزلة، وابن حزم، وغيرهم.
انظر: الكشاف للزمخشري ٢١٠٣. والفصل لابن حزم ٥٢-٦. وانظر أيضاً: شرح النووي على مسلم ١٤٢٢٣. وتفسير القرطبي ٢٣٢. وتفسير ابن كثير ١١٤٧ وفتح الباري١٠٢٣٣. وتيسير العزيز الحميد ص ٣٨٣. وأضواء البيان ٤٤٤٤.
وانظر عن إنكار المعتزلة صرع الجن للإنس ما سبق أيضاً في هذا الكتاب ص ١٠٠٣-١٠٠٥. وكذا الفصل لابن حزم ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>