للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمَاً لِلْعِبَاد} ١.

ولهذا لما سمع ورقة بن نوفل٢، والنجاشيّ٣، وغيرهما القرآنَ، قال ورقة بن نوفل: هذا هو النَّاموس٤ الذي كان يأتي موسى٥. وقال


١ سورة غافر، الآيتان ٣٠-٣١.
٢ هو ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي الأسديّ، ابن عم خديجة بنت خويلد زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم. كان قد كره عبادة الأوثان، وطلب الدين في الآفاق، وقرأ الكتب، وكانت خديجة رضي الله عنها تسأله عن أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم، فيقول: ما أراه إلا نبيّ هذه الأمة الذي بشّر به موسى وعيسى.
انظر: الإصابة لابن حجر ٣/٦٣٣-٦٣٥.
٣ النجاشيّ لقبٌ لكلّ من ملك الحبشة؛ مثل لقب قيصر لمن ملك الروم، وكسرى لمن ملك فارس.
والمراد بالنجاشيّ هنا: أصحمة. أسلم في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأحسن إلى المسلمين الذين هاجروا إلى أرضه. وأخباره معهم ومع كفار قريش الذين طلبوا منه أن يُسلّم إليهم المسلمين مشهورة. توفي في بلده قبل فتح مكة، وصلى عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم صلاة الغائب بالمدينة، وكبّر عليه أربعاً.
انظر: الإصابة لابن حجر ١/١٧.
٤ الناموس: صاحب السرّ؛ كما جزم به البخاري في أحاديث الأنبياء. وزعم ابن ظفر أنّ الناموس: صاحب سرّ الخير، والجاسوس: صاحب سر الشرّ. والأول الصحيح الذي عليه الجمهور. وقد سوّى بينهما رؤبة بن العجاج أحد فصحاء العرب.
والمراد بالناموس هنا: جبريل عليه السلام. وقوله: "على موسى"، ولم يقل على عيسى، مع كونه نصرانياً؛ لأنّ كتاب موسى عليه السلام مشتمل على أكثر الأحكام، بخلاف عيسى عليه السلام. وكذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم.
على أنّه قد ورد بإسنادين؛ أحدهما حسن، والآخر ضعيف: ناموس عيسى. فعلى هذا: كان ورقة يقول تارةً: ناموس عيسى، وتارةً: ناموس موسى. انظر: فتح الباري ١/٣٥.
٥ رواه الإمام البخاري في صحيحه ١/٥، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. والإمام مسلم في صحيحه ١/١٣٩، ١٤٥، ١٦٠-١٦١.
وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "والقرآن أصلٌ كالتوراة، وإن كان أعظم منها. ولهذا علماء النصارى يقرنون بين موسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، كما قال النجاشي ملك النصارى لما سمع القرآن: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. وكذلك ورقة بن نوفل، وهو من أحبار نصارى العرب لما سمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إنه يأتيك الناموس الذي يأتي موسى ... ولهذا يقرن سبحانه بين التوراة والقرآن ... ". الجواب الصحيح ١/١١٦-١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>