للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوم صالح١: ذكر عنهم الاشتغال بالدنيا عن الدين، لم يذكر عنهم من التجبر ما ذكر عن عاد، وإنّما أهلكهم لما عقروا الناقة.

وأمّا أهل مدين: فذكر عنهم الظلم في الأموال، مع الشرك؛ {قَالُوا يَا شُعَيبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آباؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ في أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} ٢.

وقوم لوط ذكر عنهم استحلال الفاحشة، ولم يذكروا بالتوحيد، بخلاف سائر الأمم. وهذا يدلّ على أنّهم لم يكونوا مشركين، وإنما ذنبهم استحلال الفاحشة، وتوابع ذلك. وكانت عقوبتهم أشد؛ إذ ليس في ذلك تديّن، بل شر يعلمون أنه شرّ٣.

وهذه الأمور تدلّ على حكمة الربّ، وعقوبته لكل قوم بما يناسبهم؛ فإنّ قوم نوحٍ أَغرقهم إذ لم يكن فيهم خيرٌ يُرجى.


١ في ((ط)) فقط: عليه السلام.
٢ سورة هود، الآية ٨٧.
٣ وقد وصفهم الله تعالى بصفات قبيحة؛ منها صفة العدوان على حدود الله، فقال تعالى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} . سورة الشعراء، الآية ١٦٥-١٦٦.
ووصفهم بالجهل، قال تعالى: {أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} . سورة النمل، الآية ٥٥.
ووصفهم بالإسراف في الشهوات، قال تعالى: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} . سورة الأعراف، الآية ٨١.
وقال تعالى: {أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} . سورة العنكبوت، الآية ٢٩.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله عن قوم لوط: "وكانوا كفاراً من جهات؛ من جهة استحلال الفاحشة، ومن جهة الشرك، ومن جهة تكذيب الرسل؛ ففعلوا هذا وهذا، ولكن الشرك والتكذيب مشترك بينهم وبين غيرهم، والذي اختصوا به الفاحشة، فلهذا عوقبوا عقوبة تخصهم، لم يعاقب غيرهم بمثلها، وجعل جنس هذه العقوبة هو الرجم".تفسير آيات أشكلت من القرآن ١/٣٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>