للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألف حادث، فإنّ الحوادث إذا جُعلت مقدّرة محدودة، فلا بُدّ أن يكون لها ابتداء١؛ فإنّ ما لا ابتداء له ليس له حدّ معيّن ابتدأ منه، إذ قد قيل لا ابتداء له، بل هو قديم أزليّ دائم. ومعلومٌ أنّ هذه الحوادِث ما لم يسبقها فهو حادث؛ فإنّه يكون إمّا معها، وإمّا بعدها٢.


١ وقد مثّلوا لذلك ببرهان، أطلقوا عليه اسم ((برهان التطبيق)) ، وقالوا: لو فُرض فيما لا يتناهى من الحوادِث سلسلتان؛ إحداهما من الطوفان إلى ما لانهاية له في القدم، والأخرى من الهجرة إلى ما لا نهاية له في القدم، ثمّ طبّق بين هاتين السلسلتين؛ فكلما طرح من السلسلة الأولى واحد، طرح من الأخرى مقابله واحد أيضاً، وهنا لا يخلو الحال من أمور ثلاثة: إمّا أن يفرغا معاً: وهذا خلاف الفرض، ويلزم منه مساواة الناقص للزائد. وإمّا ألاّ يفرغا، وهو باطل عندهم أيضاً؛ لأنّه يلزم منه المساواة بين مختلفَيْن - على حد قولهم، وتستحيل المساواة لتحقق الزيادة في أحدهما. وإمّا أن يفرغ أحدهما قبل الآخر؛ فإذا فرغت إحدى السلسلتين، لزم أن تفرغ الأخرى أيضاً لوجود قدر متناه بينهما.
وهذا الأمر الثالث هو المعتبر عندهم، وهو يدلّ على امتناع حوادث لا أول لها.
انظر: من كتبهم: المواقف للإيجي ص ٩٠. وشرح المقاصد للتفتازاني ٢/١٢٠-١٢٢.
٢ وهذا تقدّمت الإشارة إليه قريباً، وهو إحدى المقدّمتين اللتين بنوا عليهما إثبات حدوث الأجسام، وهو معنى قولهم: ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث، أو ما لا يسبق الحوادث فهو حادث ... إلخ. انظر: نقض التأسيس لابن تيمية - مخطوط - ق ٤٧/ب) .

<<  <  ج: ص:  >  >>