للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكثير منهم١ يفطن للفرق بين جنس الحوادث، وبين الحوادث المحدودة؛ فالجنس: مثل أن يُقال: ما زالت الحوادث توجد شيئاً بعد شيء، أو ما زال جنسها موجوداً، أو ما زال الله متكلّماً إذا شاء، أو ما زال الله فاعلاً لما يشاء٢، أو ما زال قادراً على أن يفعل قدرة يمكن معها اقتران المقدور بالقدرة، لا تكون قدرة يمتنع معها المقدور؛ فإنّ هذه في الحقيقة ليست قدرة٣. ومثل أن يُقال في المستقبل: لا بُدّ أنّ الله يخلق شيئاً بعد شيء،


١ أي من النظّار.
٢ وهذا ما قاله السلف - رحمهم الله - في صفات الأفعال الاختيارية؛ من أنّها قديمة النوع، حادثة الآحاد، لا بمعنى وجود المفعولات معه جلّ وعلا أزلاً؛ فإنّ القول بوجود المفعولات مع الله جلّ وعلا أزلاً ليس من أقوال المسلمين. انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية ١/١٤٨) .
٣ مع القدرة التامة يتعيّن وجود المقدور، وإلا فليست قدرة. انظر: جامع الرسائل - رسالة في الصفات الاختيارية - لابن تيمية ٢/٢٠-٢١) .
تنبيه: ليس يُفهم من قول السلف - رحمهم الله تعالى - عن الله جلّ وعلا: لم يزل فاعلاً، أو لم يزل خالقاً، أو لم يزل قادراً، ... إلخ: أنّ الخالق للسموات والأرض والإنسان لم يزل يخلق السموات والأرض والإنسان، أو لم يزل يفعل كذا؛ بمعنى أنّ هذه المفعولات، أو المخلوقات موجودة معه في الأزل، بل المراد ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في موضع آخر بقوله: "لم يزل الخالق لذلك سيخلقه، ولم يزل الفاعل لذلك سيفعله؛ فما من مخلوق من المخلوقات، ولا فعل من المفعولات، إلا والرب تعالى موصوف بأنه لم يزل سيفعله، ليس موصوفاً بأنّه لم يزل فاعلاً له خالقاً له؛ بمعنى أنّه موجود معه في الأزل. وإن قُدّر أنه كان قبل هذا الفعل فاعلاً لفعل آخر، وقبل هذا المخلوق خالقاً لمخلوق آخر، فهو لم يزل بالنسبة إلى كلّ فعل ومخلوق: سيفعله، وسيخلقه، لا يُقال: لم يزل فاعلاً له بمعنى مقارنته له". درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية ٢/٢٦٧-٢٦٨.
وقال شيخ الإسلام في موضع آخر: "فليس مع الله في الأزل شيء من المفعولات ولا الأفعال؛ إذ كان كل منهما حادِثاً بعد أن لم يكن، والحادِث بعد أن لم يكن لا يكون مقارناً للقديم الذي لم يزل". درء تعارض العقل والنقل ٢/٢٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>