للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونعيم أهل الجنة دائم لا يزول، ولا ينفذ. وقد يُقال في النوعين: كلمات الله لا تنفذ، ولا نهاية لها؛ لا في الماضي، ولا في المستقبل، ونحو ذلك١.

فالكلام٢ في دوام الجنس وبقائه، وأنّه لا ينفذ، ولا ينقضي، ولا يزول، ولا ابتداء له: غير الكلام فيما يقدر محدوداً له ابتداء، أو له ابتداء وانتهاء٣؛ فإنّ كثيراً من النظّار٤ من٥ يقول: جنس الحوادِث إذا قدّر له ابتداء، وجب أن يكون له انتهاء؛ لأنّه يمكن فرض تقدّمه على ذلك الحدّ، فيكون أكثر ممّا وجد، وما لا يتناهى لا يدخله التفاضل؛ فإنّه ليس وراء عدم النهاية شيء أكثر منها، بخلاف ما لا ابتداء له ولا انتهاء؛ فإنّ هذا لا يكون شيء فوقه، فلا يفضي إلى التفاضل فيما لا يتناهى. وبسط هذا له موضع آخر٦.


١ وهذا هو التسلسل الذي أجازه السلف - رحمهم الله تعالى - ورأوا أنّ إثباته ضروريّ لإثبات أفعال الله الاختياريّة، وعليه يشهد قوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَاْنَ الْبَحْرُ مِدَاْدَاً لِكَلِمَاْتِ رَبِّيْ لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاْتُ رَبِّيْ وَلَوْ جِئْنَاْ بِمِثْلِهِ مَدَدَاً} [الكهف، ١٠٩] .
فكلمات الله لا نهاية لها؛ لم يزل متكلماً بمشيئته وقدرته، ولا يزال؛ فلا نهاية لكلماته.
٢ كذا في ((خ)) ، وفي ((م)) . وفي ((ط)) : فالكلمة.
٣ وفي هذا إشارة إلى الفرق بين جنس الحوادث، وبين الحوادث المحدودة؛ كما تقدّم التنويه بذلك.
٤ كأبي الهذيل العلاّف، والجهم بن صفوان، ومن وافقهما.. وكان من حجتهم: إذا امتنعت حوادث لا أول لها في الماضي، فيجب أن تمتنع حوادث لا نهاية لها في المستقبل.. انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية ١/١٤٧) .
٥ هكذا وردت في ((خ)) ، و ((م)) ، و ((ط)) . ولعلّ الأصوب حذفها.
٦ انظر: منهاج السنة النبوية لابن تيمية ١/١٤٦-١٤٧، ١/٢٢٣-٢٣٤، والفتاوى ٢/٨٨، و ٣٦/٢٨-٣٠، والصفدية ١/٨-١٣٥.
وقد نسب خصوم شيخ الإسلام رحمه الله كالسبكي وغيره (طبقات الشافعية٦/١٠٦) أنه يقول بقدم العالم وبتسلسل الحوادث، والمشهور من كتب شيخ الإسلام رحمه الله أنه رد على الفلاسفة القائلين بقدم العالم كما رد على قول المتكلمين الذين يجوزون دوام الحوادث في المستقبل دون الماضي ويقولون: "إن الله خلق بعد أن بم يكن يخلق، ونصر قول أهل الحديث الذي لم يفهمه المتكلمون؛ وهو أن الله لم يزل فاعلا متكلما بمشيئته ولم يكن معطلا عن الخلق والأمر".

<<  <  ج: ص:  >  >>