للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتكلمون جعلوا أصل دينهم النظر في دليل الأعراض وحدوث الأجسام

والمقصود هنا أنّ هؤلاء جعلوا هذا أصل دينهم وإيمانهم، وجعلوا النظر في هذا الدليل هو النظر الواجب على كلّ مكلّف، وأنّه من لم ينظر في هذا الدليل؛ فإمّا أنّه لا يصحّ إيمانه، فيكون كافراً١ على قول طائفة منهم، وإمّا أن يكون عاصياً٢ على قول آخرين، وإما أن يكون مقلّداً لا علم له بدينه، لكنه ينفعه هذا التقليد، ويصير به مؤمناً غير عاص.

الرسول لم يدع الخلق إلى دليل النظر

والأقوال الثلاثة باطلة؛ لأنّها مفرّعة على أصل باطل، وهو أنّ النظر الذي هو أصل الدين والإيمان، هو هذا النظر في هذا الدليل؛ فإنّ علماء المسلمين يعلمون بالاضطرار أنّ الرسول لم يدع الخلق بهذا النظر، ولا بهذا الدليل؛ لا عامة الخلق، ولا خاصّتهم٣، فامتنع أن يكون هذا شرطاً في الإيمان والعلم.


١ وذلك لأنّ النظر في هذا الدليل ((دليل الأعراض وحدوث الأجسام)) هو المسلك الوحيد عندهم لإثبات وجود الله تعالى، فمن لم يسلكه عجز عن إثبات وجود ربّه وتصحيح عقيدته، فصار من الملحدين. انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية ١/٣٠٣. والفرقان بين الحق والباطل له ص ٤٧. وشرح حديث النزول ص ١٦١-١٦٢) .
يقول الماتريديّ عن الله تعالى: "لا سبيل إلى العلم به، إلا من طريق دلالة العالم عليه". التوحيد للماتريدي ص ١٢٩
ويقول أبو حامد الغزالي: " ... فبان أنّ من لا يعتقد حدوث الأجسام، فلا أصل لاعتقاده في الصانع أصلاً". تهافت الفلاسفة ص ١٩٧.
٢ قال الصاوي: "والحق الذي عليه المعوّل: أنّه مؤمن عاص بترك النظر ... إلخ". شرح جوهرة التوحيد للصاوي ص ٦١
٣ فالأنبياء عليهم السلام - وفي مقدمتهم نبيّنا صلى الله عليه وسلم - لم يأمروا أحداً بسلوك هذا السبيل، فدلّ ذلك على أنّه غير مشروع؛ إذ لو كان واجباً أو مستحباً لشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما دام الأمر كذلك، فليست معرفة الله تعالى موقوفة عليه؛ إذ معرفته جلّ وعلا واجبة. انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٦/٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>