للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالإرادة؛ كأبي البركات١، وغيره؛ قالوا: ومن المعلوم بالاضطرار للعقلاء إذ قالوا: هذا الأمر حصل بالإرادة أن يكون محدَثاً، كائناً بعد أن لم يكن، ولهذا لا يجوز أن يُقال إنّ قدرته ومشيئته تعلّقت بوجوده، ولا ببقائه، ولا بكونه حيّاً، ومن قال إنّ صفاته قديمة الأعيان، لا يقول إنّ كلامه وإرادته حصلت بإرادته وقدرته.

فيقال: هذا الذي قالوه، صحيحٌ. لكن هنا نوعان؛

أحدهما: إرادة أن يفعل الشيء ويكون. فهذه لا تكون إلا مع حدوثه.

والثانية: محبّة نفس ذاته، من غير أن يفعل في الذات شيء. فهذه التي تتعلّق بالموجود، والباقي، والقديم. وإرادة الفعل تابعة لهذه؛ فإنّه لولا أن تكون الإرادة متعلّقة بنفس الشيء الموجود، امتنع أن يراد إيجاده؛ فإنّ من أراد [أن] ٢ يبنيَ بيتاً ليسكنه، إنّما مراده نفس البيت لسكناه والانتفاع، وإنّما البناء وسيلة إلى ذلك. لولا إرادة الغاية المقصودة بالذات لم تُرد الوسيلة. وإذا بناه، فهو مريد له بعد البناء، ولهذا يكره خرابه وزواله. وكذلك من أراد أن يلبس ثوباً، فلبسه، فهو في حال اللبس مريدٌ له. فمن أراد إحداث أمر وفعله، كانت إرادة فعله لغاية مقصودة بعد الفعل، هي العلّة [الغائيّة] ٣.


١ هو أبو البركات، هبة الله بن علي بن ملكا البلدي. قال عنه الذهبي: "العلامة الفيلسوف، شيخ الطب، أوحد الزمان". وكان يهودياً، وأسلم في آخر عمره. ولد نحو سنة ٤٨٠ ?، وتوفي سنة ٥٦٠ ?. انظر: سير أعلام النبلاء ٢٠٤١٩. والأعلام ٨٧٤.
٢ ما بين المعقوفتين ليس في ((خ)) ، وهو في ((م)) ، و ((ط)) .
٣ ما بين المعقوفتين في ((ط)) : الغائبة. وما أثبت من ((خ)) ، و ((م)) .
والعلّة الغائيّة هي: ما يوجد الشيء لأجله.
انظر: التعريفات للجرجاني ص ٢٠٢. والمبين في شرح ألفاظ الحكماء والمتكلمين للآمدي ص ١٢٣. ومعيار العلم في فنّ المنطق للغزالي ص ٣١٣.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فالعلة الغائية متقدّمة في التصوّر والإرادة، وهي متأخرة في الوجود؛ فالمؤمن يقصد عبادة الله ابتداءً، وهو يعلم أنّ ذلك لا يحصل إلا بإعانته، فيقول: {إِيَّاْكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاْكَ نَسْتَعِيْنُ} .
مجموع الفتاوى ١٠٢٨٤. وانظر: المصدر نفسه ٨١٨٧. ودرء تعارض العقل والنقل ١٣٢٩-٣٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>