للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذاته. فكان جنس الحركات الموجودة في العالَم مستلزمة للمراد لذاته؛ وهو المعبود الذي يستحق العبادة لذاته؛ وهو الله لا إله إلا هو١، فلو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا. وكلّ عملٍ لا يُراد به وجهه، فهو باطلٌ. وكلّ عاملٍ لا يكون [عمله] ٢ لله، بل لغيره، وهو المشرك؛ فإنّه كما قال تعالى: {فَكَأَنَّمَاْ خَرَّ مِنَ السَّمَاْءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِيْ بِهِ الرِّيْحُ فِيْ مَكَاْنٍ سَحِيْقٍ} ٣؛ فإنّ قوام الشيء بطبيعته الخاصّة به؛ فالحيّ قوامه بطبيعته المستلزمة لحركته الإراديّة، وقوامها بالمراد لذاته، فإذا لم يكن حركتها لإرادة المعبود لذاته، لم يكن لنفسه قوام، بل بقيت ساقطة، خارَّة؛ كما ذكر الله تعالى. ولهذا يهوي في الهاوية؛ وهو ذنبٌ لا يُغفر؛ لأنّه فسد الأصل؛ كالمريض الذي فسد قلبه، لا ينفع مع ذلك إصلاح أعضائه.


١ هذا الدليل الذي ذكره شيخ الإسلام رحمه الله دليلٌ عقليّ، يستخدمه كثيراً رحمه الله، وقد قال عنه في بعض كتبه: "الحركات الموجودة في العالم ثلاثة: قسرية، وطبيعية، وإرادية. ووجه الحصر: أنّ مبدأ الحركة إما أن يكون من المتحرك، أو من سبب خارج. فإن لم تمكن حركته إلا بسبب خارج عنه؛ كصعود الحجر إلى فوق؛ فهذه الحركة القسرية. وإن كانت بسبب منه؛ فإمّا أن يكون المتحرك له شعور، وإما أن لا يكون. فإن كان له شعور، فهي الحركة الإرادية، وإلا فهي الطبيعية. والحركة الطبيعية في العناصر: إما أن تكون لخروج الجسم عن مركزه الطبيعيّ، وإلا فالتراب إذا كان في مركزه لم يكن في طبعه الحركة. فالمتولدات من العناصر لا تتحرك إلا بقاسر يقسر العناصر على حركة بعضها إلى بعض. وإذا كانت الحركات الطبيعية والقسرية مفتقرة إلى محرك في الخارج، عُلم أنّ أصل الحركات كلها الإرادة، فيلزم من هذا أن يكون مبدأ جميع الحركات من العالم العلويّ والسفليّ هو الإرادة". كتاب الصفدية ١١٧٤-١٧٥. وانظر: مجموع الفتاوى ١٦١٣١، ٨١٧١.
وقد استخدم شيخ الإسلام رحمه الله هذا الدليل أيضاً لإثبات وجود الملائكة بالعقل. انظر: المصدر المتقدم نفسه.
٢ ما بين المعقوفتين ملحق في ((خ)) بين السطرين.
٣ سورة الحج، الآية ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>