للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العباد، وأنّهم يضرّونه أو ينفعونه١، فهذا ليس بلازم. ولهذا كان الله منزّهاً عن ذلك، كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الإلهيّ: "يا عبادي! إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني"٢.

فالله أجلّ من أن يحتاج إلى عباده لينفعوه، أو يخاف منهم أن يضرّوه. وإذا كان المخلوق العزيز لا يتمكّن غيره من قهره، فمن له العزّة جميعاً، وكلّ عزة فمن عزّته أبعد عن ذلك. وكذلك الحكيم المخلوق إذا كان


١ ذكر هذه الحجة في نفي الحكمة عن الله: الشهرستاني في نهاية الإقدام ص ٣٩٧-٣٩٨. والرازي في الأربعين ص ٢٤٩-٢٥٠. والإيجي في المواقف في علم الكلام ص ٣٣١-٣٣٢.
وقد ردّ على هذه الشبهة شيخ الإسلام رحمه الله بعشرة أوجه في شرح الأصفهانية ٢٣٥٨-٣٦٣.
وقال رحمه الله في معرض ردّه على المعتزلة في قولهم في الحكمة: "أنتم متناقضون في هذا القول؛ لأنّ الإحسان إلى الغير محمود لكونه يعود منه على فاعله حكم يُحمد لأجله؛ إما لتكميل نفسه بذلك؛ وإما لقصده الحمد والثواب بذلك؛ وإما لرقة وألم يجده في نفسه، يدفع بذلك الإحسان لألم؛ وإما لالتذاذه، وسروره، وفرحه بالإحسان؛ فإنّ النفس الكريمة تفرح، وتسرّ، وتلتذ بالخير الذي يحصل منها إلى غيرها؛ فالإحسان إلى الغير محمود لكون المحسن يعود إليه من فعله هذه الأمور حكم يحمد لأجله. أما إذا قُدِّر أنّ وجود الإحسان وعدمه بالنسبة إلى الفاعل سواء، لم يعلم أنّ مثل هذا الفعل يحسن منه، بل مثل هذا يُعدّ عبثاً في عقول العقلاء، وكل من فعل فعلاً ليس فيه لنفسه لذة، ولا مصلحة، ولا منفعة بوجه من الوجوه لا عاجلة، ولا آجلة، كان عبثاً، ولم يكن محموداً على هذا. وأنتم عللتم أفعاله فراراً من العبث، فوقعتم في العبث؛ فإنّ العبث هو الفعل الذي ليس فيه مصلحة، ولا منفعة، ولا فائدة تعود على الفاعل". جامع الرسائل والمسائل ٤٢٩١.
٢ جزء من حديث قدسيّ طويل، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ٤١٩٩٤-١٩٩٥، كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>