للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يفعل بنفسه ما يضرّها، فالخالق جلّ جلاله أولى أن لا يفعل ذلك لو كان ممكناً. فكيف إذا كان ممتنعاً.

قال تعالى: {وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِيْنَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئَاً [يُرِيْدُ اللهُ أَنْ لا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظَّاً فِي الآخِرَةِ] ١ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ٢. وقال تعالى: {وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىْ كُلُوا مِنْ طَيِّبَاْتِ مَا رَزَقْنَاْكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ [كَانُوا] ٣ أَنْفُسَهُم يَظْلِمُون} ٤.

فقد بيَّن أنّ العصاة لا يضرّونه، ولا يظلمونه، كعصاة المخلوقين؛ فإنّ مماليك السيّد، وجند الملك، وأعوان الرجل، وشركاءه إذا عصوه فيما يأمرهم ويطلبه منهم، فقد يحصل له بذلك ضرر في نفسه، أو ماله، أو عرضه، أو غير ذلك. وقد يكون ذلك ظلماً له.

والله تعالى لا يقدر أحدٌ على أن يضرّه ولا يظلمه. وإن كان الكافر على ربه ظهيراً، فمظاهرته على ربه، ومعاداته له، ومشاقّته، ومحاربته، عادت عليه بضرره، وظلمه لنفسه، وعقوبته في الدنيا والآخرة.

وأما النفع فهو سبحانه غنيٌ عن الخلق، لا يستطيعون نفعه [فينفعوه] ٥؛ فما أمرهم به إذا لم يفعلوه، لم يضرّوه٦ بذلك؛ كما قال تعالى: {وَللهِ عَلَى


١ ما بين المعقوفتين ساقطٌ من ((خ)) .
٢ سورة آل عمران، الآية ١٧٦.
٣ ما بين المعقوفتين ساقطٌ من ((خ)) .
٤ سورة الأعراف، الآية رقم ٦٠.
٥ في ((خ)) : فيتفعونه. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .
٦ يقول شيخ الإسلام رحمه الله في معرض ردّه على منكري الحكمة، مبيِّناً أنّ قيام الصفات بالله لا يلزم منه افتقاره جلّ وعلا إليها، بل هو الغني عن العالمين: "فإنّ الله غني واجب بنفسه. وقد عُرف أن قيام الصفات به لا يلزم حدوثه، ولا إمكانه، ولا حاجته، وأنّ قول القائل بلزوم افتقاره إلى صفاته اللازمة بمنزلة قوله: مفتقر إلى ذاته. ومعلومٌ أنّه غنيّ بنفسه، وأنه واجب الوجود بنفسه، وأنه موجود بنفسه. فتوهّم حاجة نفسه إلى نفسه؛ إن عنى به أنّ ذاته لا تقوم إلا بذاته. فهذا حقّ؛ فإنّ الله غني عن العالمين، وعن خلقه، وهو غني بنفسه. وأما إطلاق القول بأنّه غني عن نفسه، فهو باطل؛ فإنّه محتاج إلى نفسه. وفي إطلاق كل منهما إيهام معنى فاسد. ولا خالق إلا الله تعالى". قاعدة في المعجزات والكرامات ص ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>