للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعتزلة منعوا المقدمة الأولى، فغلبوا معهم. والمقدمة الثانية جعلوها محلّ وفاق١، وهي مناسبة لأصول المعتزلة؛ لكونهم ينفون الصفات؛ فنفي الفعل القائم به أولى على أصلهم، ونفي مقتضى ذلك أولى على أصلهم. وهذه المقدمة التي اشتركوا فيها [تقتضي] ٢ نفي كونه مريداً، ونفي كونه فاعلاً، ونفي حدوث شيء من الحوادث؛ كما أنّ نفي الصفات يقتضي نفي [شيء] ٣ قائمٍ بنفسه موصوفٍ بالصفات.

فنفي اتصافه بالصفات يستلزم أن لا يكون في الوجود شيء يتصف بصفة، ونفي فعله، وإحداثه يقتضي أن لا يكون في الوجود شيء حادِث؛ فكان ما نفوه مستلزماً نهاية السفسطة٤، وجحد الحقائق. ولهذا كان من


١ المعتزلة جعلوها محلّ وفاق مع الأشاعرة؛ لأنّها موافقة لأصولهم.
٢ في ((خ)) : يقتضي.
٣ ما بين المعقوفتين ليس في ((م)) ، و ((ط)) .
٤ المقصود بالسفسطة: الحكمة المموّهة. ويُراد بها التمويه، والخداع، والمغالطة في الكلام، وجحد الحقائق. وهي كلمة معربة من اليونانية، مركبة من سوفيا؛ وهي الحكمة، ومن اسطس؛ وهو المموّه؛ فمعناه: حكمة مموّهة.
يقول الجرجاني في التعريفات ص ١٥٨: "السفسطة: قياس مركب من الوهميات. والغرض منه تغليط الخصم، وإسكاته؛ كقولنا: الجوهر موجود في الذهن، وكل موجود في الذهن قائم بالذهن عرضٌ؛ لينتج أنّ الجوهر عرض".
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإنّ هذه الكلمة هي كلمة معربة، وأصلها باليونانية (سوفسقيا) ؛ أي حكمة مموهة؛ فإنّ (سوفيا) باليونانية هي الحكمة، ولهذا يقولون: (فيلسوف) ؛ أي محبّ الحكمة ... وأما هذه المموهة فهي تشبه الحق البرهاني ونحوه مما ينبغي قبوله، وهي في الحقيقة باطلة يجب ردها، ولكن موهت كما يموه الحق بالباطل، فسمّوها (سوفسقيا) ؛ أي حكمة مموهة". بيان تلبيس الجهمية ١٣٢٢-٣٢٤. وانظر: التسعينيّة ص ٣٦-٣٧. وتاريخ الفلسفة اليونانية ليوسف كرم ص ٤٥. وانظر: تقسيم شيخ الإسلام للسفسطة إلى ثلاثة أقسام في منهاج السنة ١٤١٩. وفي كتاب الصفدية ١٩٧ قسمها إلى أربعة أقسام.

<<  <  ج: ص:  >  >>