للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهؤلاء قولان: فمن جوّز ذلك فإنّه يجوز عندهم أن يُعذّب الله من هو أبرّ النّاس وأكثرهم طاعات وحسنات على سيئة صغيرة عذاباً أعظم من عذاب أفسق الفاسقين. ويجوز عندهم أن يغفر لأفسق الفاسقين من المسلمين وأعظمهم كبائر كلّ ذنب، ويُدخله الجنّة ابتداءً، مع تعذيب ذلك في النّار على صغيرة١.

ولهذا قال جمهور النّاس٢ [عن هؤلاء] ٣: إنّهم لا يُنزّهون الربّ [عن] ٤ السّفه والظلم، بل يصفونه بالأفعال التي يُوصف بها المجانين


١ قال شيخ الإسلام رحمه الله عن هؤلاء المجبرة أنّهم: "لايجعلون العدل قسيماً لظلم ممكن لا يفعله، بل يقولون: الظلم ممتنع. ويُجوّزون تعذيب الأطفال، وغير الأطفال بلا ذنبٍ أصلاً، وأن يخلق خلقاً يُعذّبهم بالنّار أبداً، لا لحكمة أصلاً، ويرى أحدهم أنه خلق فيه الذنوب وعذب بالنار لا لحكمة، ولا لرعاية عدل، فتفيض نفوسهم إذا وقعت منهم الذنوب فأصيبوا بعقوباتها بأقوال يكونون فيها خصماء لله تعالى". جامع الرسائل ١١٢٥.
٢ قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وأما المثبتون للقدر..... فهؤلاء تنازعوا في تفسير عدل الله وحكمته، والظلم الذي يجب تنزيهه عنه، وفي تعليل أفعاله وأحكامه، ونحو ذلك. فقالت طائفة: إنّ الظلم ممتنع منه غير مقدور، وهو محال لذاته؛ كالجمع بين النقيضين، وأنّ كل ممكن مقدور، فليس هو ظلماً، وهؤلاء هم الذين قصدوا الردّ عليهم، وهؤلاء يقولون: إنّه لو عذّب المطيعين، ونعّم العصاة، لم يكن ظالماً. وقالوا: الظلم: التصرّف فيما ليس له. والله تعالى له كلّ شيء. أو هو مخالفة الأمر، والله لا آمر له. وهذا قول كثير من أهل الكلام المثبتين للقدر..... وقالت طائفة: بل الظلم مقدور ممكن، والله تعالى منزّه لا يفعله، لعدله. ولهذا مدح الله نفسه، حيث أخبر أنّه لا يظلم الناس شيئاً. والمدح إنّما يكون بترك المقدور عليه، لا بترك الممتنع". منهاج السنة النبوية ١١٣٤-١٣٥.
وقالوا: "والظلم وضع الشيء في غير موضعه؛ فهو لا يضع العقوبة إلا في المحلّ الذي يستحقها، لا يضعها على محسن أبداً". المصدر نفسه ١١٣٩.
٣ ما بين المعقوفتين ملحق بهامش ((خ)) .
٤ في ((خ)) : على. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>