للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جميع الأدلة عقلية والرد على تقسيم الأشاعرة

والأجود أن يُقال: جميع الأدلة عقلية؛ بمعنى أنّ العقل إذا تصوّرها، علم أنّها تدلّ؛ فإنّ الدليل هو ما يكون النظر الصحيح فيه مفضياً إلى العلم بالمدلول عليه، وإنّما يكون النظر الصحيح، لمن يعقل دلالة الدليل. فمن لم يعقل كون الدليل مستلزماً للمدلول، لم يستدلّ به.

معنى الدليل

ومن عقل ذلك، استدلّ به؛ فهو يدلّ بصفةٍ هو في نفسه عليها، لا بصفة هي في المستدلّ. لكن [كونه] ١ عقلياً يرجع إلى أنّ المستدل عَلِمَهُ بعقله. وهذا صفةٌ في المستدلّ لا فيه.

الدليل يدل بمجرده وقد يدل بقصد الدال على دلالته

[و] ٢ الأجود أن يقال: الدليل قد يدل بمجرده، وقد يدل بقصد الدالّ على دلالته. فالأول لا يحتاج إلى قصد الدلالة؛ كما [يقول] ٣ النحاة: إنّ الأصوات تدلّ بالطبع، وتدلّ بالوضع. فالذي يدلّ بالطبع؛ كالنحنحة، والسعال، والبكاء، ونحو ذلك من الأصوات. وهذا ليس كلاماً. وحينئذٍ فما يدلّ بقصد الدالّ، أحق بالدلالة، ودلالته أكمل. ولهذا كانت [دلالة] ٤ الكلام على مقصود المتكلم، وهي دلالة سمعية، أكمل من جميع أنواع الأدلة على مراده؛ وهو البيان الذي علمه الله الإنسان، وامتّن بذلك على عباده؛ فمنها ما يدلّ بمجرده، ومنها ما يدلّ بقصد الدالّ. فإذا انضمّ إليه ما يعرف أنّه قصد الدلالة، دلّ؛ فالدليل هنا في الحقيقة: قَصْدُ الدالّ للدلالةِ؛


١ في ((خ)) : فكونه. وما أثبت من ((م)) ، و ((ط)) .
٢ في ((م)) ، و ((ط)) : أو.
٣ في ((م)) ، و ((ط)) : تقول.
٤ ما بين المعقوفتين ملحق بهامش ((خ)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>