للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه عجز الرب عن أن ينصب دليلاً يدل على صدق النبيّ، وإن كان يمكنه أن يعرف صدقهم بالضرورة، فذلك يوجب أن يعرفوا نفسه بالضرورة، وهو يرفع التكليف.

قول شيخ الإسلام في عدم ظهور المعجزات على يد الكاذب..

والتحقيق: أن إظهار المعجزات الدالّة على صدق الأنبياء على يد الكاذب لا يجوز، لكن قيل لامتناع ذلك في نفسه؛ كما قاله الأشعري١. وقيل: لأنّ ذلك يمتنع في حكمة الرب وعدله. وهذا أصحّ؛ فإنّه قادر على ذلك، لو فعله بطلت دلالة المعجز على الصدق٢.

وهذا كما أنه قادر على سلب العقول، ولو فعل ذلك لبطلت العلوم. وهو سبحانه لو فعل ذلك قادرٌ على تعريف الصدق بالضرورة، وقادرٌ على أن لا يعرف بذلك، ولا يميز للناس بين الصادق والكاذب، لكنه لا يفعل هذا المقدور. ونحن نعلم بالاضطرار أنه لا يفعل ذلك، وأنّه لا يبعث أنبياء


١ انظر: المواقف للإيجي؛ فقد نقل ذلك عن الأشعري ص ٣٤٢.
وانظر ما قاله شيخ الإسلام رحمه الله عن هذه المسألة بتوسّع في كتبه التالية: شرح الأصفهانية تحقيق السعوي ٢ ٦١٢-٦٢٤. ودرء تعارض العقل والنقل ١ ٨٩-٩٠. والجواب الصحيح ٦ ٣٩٣-٤٠١.
وذكر شيخ الإسلام رحمه الله عن مذهب الأشاعرة في إثبات النبوة أنّهم يسلكون أحد طريقين: "إما طريق القدرة؛ كما سلكها الأشعري في أحد قوليه، والقاضيان أبو بكر وأبو يعلى، وغيرهما؛ وهو أنه لا طريق إلى تصديق النبيّ غير المعجزة، فلو لم تكن دالّة على التصديق، للزم عجز الباري عن تصديق الرسل. وإما طريق الضرورة؛ كما سلكها الأشعري في قوله الآخر، وأبو المعالي، وطوائف أُخَر". درء تعارض العقل والنقل ٩ ٥٢-٥٣.
٢ سبق أن أورد الشيخ رحمه الله هذه المسألة في ص ٢٧٢، ٢٧٨، ٢٨٠-٢٨٢، ٥٨٠-٥٨٣، من هذا الكتاب. وسوف يأتي زيادة إيضاح منه رحمه الله لهذه المسألة في ص ١١٣٤-١١٥٠، ١١٦١-١١٦٣ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>