للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: {إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا والَّذِينَ آمَنُوا في الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} ١.

فقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ} ٢: دليلٌ على أن النبيّ مرسل، ولا يسمى رسولاً عند الإطلاق؛ لأنّه لم يرسل إلى قوم بما لا يعرفونه، بل كان يأمر المؤمنين بما يعرفونه أنّه حقّ؛ كالعالِم، ولهذا قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء" ٣.

ليس من شروط الرسول أن يأتي بشرع جديد

وليس من شرط الرسول أن يأتي بشريعة جديدة؛ فإنّ يوسف كان على ملة إبراهيم، وداود وسليمان كانا رسولين، وكانا على شريعة التوراة٤؛


١ سورة غافر، الآية ٥١.
٢ سورة الحج، الآية ٥٢.
٣ أخرجه أبو داود في سننه ٤٥٧، ٥٨، كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم، رقم ٣٦٤١. والترمذي في جامعه ٥٤٨-٤٩، كتاب العلم، باب فضل الفقه على العبادة. وابن ماجه في سننه ١٨١، في المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، رقم ٢٢٣.
وقد صحّحه الألباني في (صحيح سنن الترمذي ٢٣٤٢) ، و (صحيح سنن ابن ماجه ١٤٣) ، وحسّن سنده في (صحيح الترغيب والترهيب ١٣٣، ح ٦٨) ، وفي (مشكاة المصابيح ١٧٤، رقم ٢١٢) .
٤ تعددت الأقوال في الفرق بين النبيّ والرسول، وكلّها لا تخلو من مناقشة، ولا تسلم من اعتراضات ترد عليها.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فروقاً كثيرة بين النبيّ والرسول، وهذه الفروق مبنيّة على الكتاب والسنة؛ فخرج تفريقه بين النبيّ والرسول من أرجح التفريقات، ومن أسلمها من الانتقادات.
ويمكن تلخيص هذه الفروق فيما يلي:
(١) النبيّ: هو من يُنبئ بما أنبأ الله به، ولا يُسمّى رسولاً عند الإطلاق؛ لأنه لم يُرسل إلى قوم بما لا يعرفونه، بل كان يأمر المؤمنين بما يعرفونه أنه حقّ؛ كالعالم. ولهذا قال النبيّ صلى الله عليه وسلم عن العلماء: "العلماء ورثة الأنبياء"؛ إذ النبيّ يعمل بشريعة من قبله.
فالأنبياء يأتيهم وحي من الله بما يفعلونه ويأمرون به المؤمنين الذين عندهم، لكونهم مؤمنين بهم؛ كما يكون أهل الشريعة الواحدة يقبلون ما يبلغه العلماء عن الرسول. وكذلك أنبياء بني إسرائيل يأمرون بشريعة التوراة، وقد يوحى إلى أحدهم وحي خاص في قضية معينة، ولكن كانوا في شرع التوراة كالعالم الذي يفهمه الله في قضية ما معنى يُطابق القرآن.
فالأنبياء يُنبئهم الله؛ فيخبرهم بأمره، ونهيه، وخبره، وهم ينبئون المؤمنين بهم ما أنبأهم الله من الخبر، والأمر، والنهي.
(٢) الرسول: هو من أنبأه الله وأرسله إلى من خالف أمره، ليبلغه رسالة ً من الله إليه؛ فهو رسول. فالرسل: من أُرسلوا إلى كفار يدعونهم إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له. ولا بُدّ أن يُكذّب الرسلَ قومٌ؛ قال تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} ، وقال تعالى: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} ؛ فإنّ الرسل ترسل إلى مخالفين، فيكذبهم بعضهم. والرسول يُسمّى رسولاً على الإطلاق؛ لأنّه يُرسل إلى قوم بما لا يعرفونه. وليس من شرط الرسول أن يأتي بشريعة جديدة؛ فإنّ يوسف عليه السلام كان رسولاً، وكان على ملة إبراهيم عليه السلام، وداود وسليمان عليهما السلام كانا رسولين، وكانا على شريعة التوراة.
وانظر أقوال العلماء مفصّلة في هذه المسألة، في: تفسير الطبري ١٧١٨٩. وأعلام النبوة للماوردي ص ٣٧-٣٨. والفرق بين الفرق للبغدادي ص ٣٤٢. والشفا للقاضي عياض ١٢٥١. وشرح المقاصد للتفتازاني ٢١٧٣. وتفسير القرطبي ١٢٥٤. وزاد المعاد لابن القيم ١٤٣. وطريق الهجرتين له ص ٣٤٩. وشرح الطحاوية ص ١٦٧. وأنوار التنزيل وأسرار التأويل ٤٥٧. ولوامع الأنوار البهية ١٤٩. وأضواء البيان للشنقيطي ٥٧٣٥. ورحلة الحج له ص ١٣٦-١٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>