للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا معنى قول من قال: هم معصومون فيما يبلغونه عن الله١.


١ من خصائص الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين: أنّهم معصومون فيما يُخبرون به عن الله تعالى. وأما العصمة في غير ما يتعلّق بتبليغ الرسالة، فللناس نزاع في ذلك. والذي عليه جمهور أهل العلم: عصمة الأنبياء عن الكبائر دون الصغائر، وأنّهم معصومون من الإقرار على الذنوب مطلقاً، وأنّهم إن وقع منهم زلاّت من جنس ذلك، فإنهم يتداركونها بالتوبة والإنابة، ثم يرتقون إلى منزلة أعلى من المنزلة التي كانوا عليها قبل الذنب.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله موضحاً مسألة عصمة الأنبياء: "فإنّ القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر: هو قول أكثر علماء الإسلام، وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام؛ كما ذكر أبو الحسن الآمدي أنّ هذا قول أكثر الأشعرية، وهو أيضاً قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يُوافق هذا القول". مجموع الفتاوى ٤٣١٩.
وقال أيضاً عن أهل السنة: هم متفقون على أنهم لا يقرون على خطأ في الدين أصلاً، ولا على فسوق، ولا كذب. ففي الجملة: كل ما يقدح في نبوتهم وتبليغهم عن الله، فهم متفقون على تنزيههم عنه. وعامة الجمهور الذين يُجوّزون عليهم الصغائر يقولون إنهم معصومون من الإقرار عليها، فلا يصدر عنهم ما يضرّهم. كما جاء في الأثر: كان داود بعد التوبة خيراً منه قبل الخطيئة، والله {يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [سورة البقرة، الآية ٢٢٢] ، وإنّ العبد ليفعل السيئة، فيدخل بها الجنة) . منهاج السنة ١٤٧٢.
وقال أيضاً رحمه الله: " ... أن يقال: إنّ الله سبحانه وتعالى لم يذكر من نبي من لأنبياء ذنباً، إلا ذكر توبته منه. ولهذا كان الناس في عصمة الأنبياء على قولين: إما أن يقولوا بالعصمة من فعلها، وإما أن يقولوا بالعصمة من الإقرار عليه، لا سيما فيما يتعلق بتبليغ الرسالة، فإنّ الأمة متفقة على أنّ ذلك معصوم أن يقرّ فيه على خطأ، فإنّ ذلك يناقض مقصود الرسالة ومدلول المعجزة ... ".
إلى أن قال رحمه الله: "واعلم أنّ المنحرفين في مسألة العصمة على طرفي نقيض، كلاهما مخالف لكتاب الله من بعض الوجوه؛ قومٌ أفرطوا في دعوى امتناع الذنوب حتى حرّفوا نصوص القرآن المخبرة بما وقع منهم من التوبة من الذنوب، ومغفرة الله لهم، ورفع درجاتهم بذلك. وقومٌ أفرطوا في أن ذكروا عنهم ما دلّ القرآن على براءتهم منه، وأضافوا إليهم ذنوباً وعيوباً نزههم الله عنها، وهؤلاء مخالفون للقرآن، وهؤلاء مخالفون للقرآن. ومن اتبع القرآن على ما هو عليه من غير تحريف كان من الأمة الوسط، مهتدياً إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين..". مجموع الفتاوى ١٥١٤٧-١٥٠. وانظر المصدر نفسه ٤٣١٩-٣٢١،، ١٠٢٨٩ _ ٢٩٥. ومنهاج السنة النبوية ١٤٧٠-٤٧٤. والجواب الصحيح ٦٢٩٨-٢٩٩. وأضواء البيان ٤٥٢٢، ٥٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>