للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعامّة من كذّبهم في حياتهم، كان معانداً؛ فالرؤساء كذّبوهم لئلا تزول رئاستهم، أو مأكلتهم. والأتباع طاعة لكبرائهم؛ كما أخبر الله بمثل ذلك في غير موضع من القرآن١، لم يكن التكذيب لقيام حجة تدلّ على الكذب؛ فإنه يمتنع قيام دليلٍ يدلّ على الكذب؛ فالمكذّب مفتر، متكلّم بلا علم، ولا دليلٍ قطعاً.

وكذلك كلّ من كذّب بشيءٍ من الحقّ، أو صدّق بشيءٍ من الباطل، يمتنع أن يكون عليه دليلٌ صحيح؛ فإن الدليل الصحيح يستلزم مدلوله. فإذا كان المدلول منتفياً، امتنع أن يكون عليه دليل صحيح.

[و] ٢ كثيرٌ من الناس قد يكون شاكّاً، لعدم طلبه العلم، وإعراضه عنه؛ فالمكذّب متكلّم بلا علمٍ قطعاً، والشاكّ معرضٌ عن طلب العلم، مقصّر، مفرّط. ولو طلب [العلم] ٣ تبين له الحقّ إذا كان متمكناً من معرفة أدلة الحق. وأمّا من لم يصل إليه الدليل، ولا يتمكن من الوصول إليه، فهذا عاجز.

طريق الحكمة في معرفة صدق لأنبياء

وأمّا الذين سلكوا طريق الحكمة٤، فلهم أيضاً مسالك؛ مثل أن يقال: إنّ الله سبحانه وتعالى إذا بعث رسولاً أمر الناس بتصديقه وطاعته، فلا بُدّ أن ينصب لهم دليلاً يدلّهم على صدقه؛ فإنّ إرسال رسولٍ بدون علامة وآية تعرف المرسل إليهم أنَّه رسولٌ: قُبْحٌ، وسَفَهٌ في صرائح العقول، وهو نقصٌ في جميع الفطر.


١ قال تعالى عنهم: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} . [سورة الأحزاب، الآية ٦٧] .
٢ ما بين المعقوفتين ليس في ((خ)) ، وهو في ((م)) ، و ((ط)) .
٣ ما بين المعقوفتين ملحق بهامش ((خ)) .
٤ وهم أهل السنة والجماعة. انظر ما سبق ص ٥٠١-٥٠٤، ٧٦٠-٧٦١ من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>