للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بدون لوازمه، أو مع ضده، كما يمتنع جعل الدليل دليلاً مع وجوده بلا مدلول، أو مع وجود ضدّ المدلول معه.

الأشاعرة يمتنع على أصولهم كلام الرب أن يدل على مراده أو أن آياته تدل على صدق الأنبياء

والذين قالوا: يجوز منه فعل كل شيء، ولا ينزّه عن شيء، يتعذّر على أصلهم وجود دليل جعلي قصدي؛ لا الكلام، ولا الفعال؛ فيمتنع على أصلهم كون كلام الرب يدلّ على مراده، أو كون آياته التي قصد بها الدلالة على صدق الأنبياء، أو غيرهم تدلّ؛ لأنّه يقدر أن يفعل ذلك [و] ١ غير ذلك، كما يقدر أن يظهر على يد الكاذب ما أظهره على يد الصادق.

تعريف المعجزة عند الأشاعرة

وهم يقولون: المعجزة هي الخارق المقرون بالتحدي بالمثل وعدم المعارضة٢. وهذا يقدر على إظهاره على يد الصادق.

صفة الإرادة

فمن سوّى بين جميع الأمور، وجعل إرادته لها سواء، لم يفرّق بين هذا وهذا٣، فقالوا: نحن نستدل على أنه لم يظهرها على يد الكاذب، بأنه لو


١ ما بين المعقوفتين ليس في ((خ)) ، وهو في ((م)) ، و ((ط)) .
٢ انظر: البيان للباقلاني ص ٤٨. والإرشاد للجويني ص ٣١٢-٣١٣. وأصول الدين للبغدادي ص ١٧٥، ١٨٥. وشرح المقاصد للتفتازاني ٥١١. والمواقف للإيجي ص ٣٣٩.
٣ قد أوضح شيخ الإسلام رحمه الله أنّ الأشاعرة جعلوا الإرادة قديمة أزلية واحدة، وإنما يتجدد تعلقها بالمراد. ونسبتها إلى الجميع واحدة، ولكن من خواص الإرادة أنها تخصص بلا مخصص. فهم جعلوها واحدة قديمة أزلية مثل ما جعلوا العلم والكلام. وهم يقولون: إنه يعلم المعلومات كلها بعلم واحد بالعين، ويُريد المرادات كلها بإرادة واحدة بالعين، وإن كلامه الذي تكلم به من الأمر بكل مأمور، والخبر عن كل مخبر عنه هو أيضاً واحد بالعين.
أما قول أهل السنة والجماعة في الإرادة، فإنهم يقولون: إنه لم يزل مريداً بإرادات متعاقبة، فنوع الإرادة قديم، وأما إرادة الشيء المعين فإنما يريده في وقته. وهو سبحانه يقدر الأشياء ويكتبها، ثم بعد ذلك يخلقها. فهو إذا قدّرها علم ما سيفعله وأراد فعله في الوقت المستقبل، لكن لم يرد فعله في تلك الحال. فإذا جاء وقته أراد فعله. فالأول عزم، والثاني قصد. فالإرادة منه تارة تكون بمعنى المشيئة، وتارة تكون بمعنى المحبة. فالإرادة الشرعية هي المتضمنة للمحبة والرضا، كقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [سورة النساء، الآية ٢٦] . والإرادة الكونية هي المشيئة الشاملة لجميع الحوادث، كقوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [سورة الأنعام، الآية ١٢٥] . وقول المسلمين: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
انظر: مجموع الفتاوى ١٦٣٠١-٣٠٣. ودرء تعارض العقل والنقل ٢١٧٢، ٨٢٨٣. وشرح الأصفهانية ١١٧٥-١٧٦، ٢٣٦٦. وجامع الرسائل ٢١٨، ٣٩. ومنهاج السنة النبوية ٣١٤-١٨، ١٦٤-١٦٨، ١٨٠-١٨١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>