للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن جهة قدرته أيضاً؛ فإنه قادر على هدي عباده وتعريفهم، وذلك إنما يكون بتخصيص الصادق بما يستلزم صدقه، فإذا ما سوّى بين الصادق والكاذب، فإنه يمتنع التعريف، والممتنع ليس بمقدور، فقدرته تقتضي خلق الفرق.

وقد يقال: هو قادر، لكن لا يفعل مقدوره. فيقال: فِعلُه له ممكن، ولا يمكن إلا على هذا الوجه، فيكون قادراً على هذا الوجه.

فإن قيل: هو قادر، ولكن لا يفعله. قيل: إن أريد أنه يمتنع، فهذا باطل، وإن أريد أنه يمكن فعله، ولكن لا يفعله، لم يكن على هذا النفي دليل، بل وجوده يدل على أنه فَعَلَهُ١.

أفعال الرب إما واجبة وإما ممتنعة

وأيضاً: فأفعال الرب؛ إما واجبة، وإمّا ممتنعة. وإذا لم يكن ممتنعاً، تعيَّن أنه واجب، وأنه قد فعله٢، وهذا قد فعله. وهذا مبسوطٌ في غير هذا الموضع.

الله منزه أن يفعل ما يناقض حكمته

والمقصود هنا: أنّ هذا كلّه يستلزم أنّ الربّ منزّه عن أن يفعل بعض الأمور الممكنة المقدورة٣، لكون ذلك يستلزم أمراً يُناقض حكمته، ولكون فعل الشيء لا يكون إلا مع لوازمه، وانتفاء أضداده. فيمتنع فعله


١ مرت هذه المسألة فيما سبق، ص ٢٧٨-٢٨١، ٦٦٢ من هذا الكتاب.
وانظر: الفرق بين الفرق ص ١٣٣، ١٣٤. والانتصار للخياط ص ٥٤.
٢ أي أنّ الله سبحانه وتعالى قد هدى عباده المطيعين وعرفهم بتخصيص الصادق بما يستلزم صدقه، فلم يلتبس عليهم الصادق من الكاذب.
٣ وهو جواز أن يظهر الله ما جعله دليلاً للنبوة مع عدم النبوة، فيستوي بذلك الصادق والكاذب؛ لأن من أصول الأشاعرة: أن الله يجوز منه فعل كلّ شيء، ولا يُنزّه عن شيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>