للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقصد أن يفعل الشيء ليدلّ. وعندكم هو لا يفعل شيئاً لشيءٍ؛ فيلزم على أصلكم أن لا يفعل شيئاً لأجل أنه يدلّ به عباده؛ لا فعلاً ولا كلاماً؛ إذ كان هذا عندكم ممتنعا وهو فعل شيء لمقصود آخر غير فعله.

وإذا كان هذا ممتنعاً عندكم، لم يكن مقدوراً، فلا يقدر على أصلكم أن ينصب لعباده دليلاً ليدلّهم به على شيء، بل هذا عندهم فعلٌ لغرض، وهو ممتنع عليه.

وإن قلتم: هو وإن لم يقصد أن يفعل شيئاً لحكمة، لكن قد يفعل الشيئين المتلازمين، فيستدل بأحدهما على الآخر.

قيل: هذا إنما يكون بعد أن يثبت التلازم، وأن أحدهما مستلزم للآخر. وهذا معلومٌ فيما يدلّ بمجرده؛ فإنه يمتنع وجوده بدون لازمه. أمّا ما يدل بالجعل والقصد، فيمكن وجوده بدون ما جُعل مدلولاً له.

واللزوم إنما يكون بالقصد، وهو عندكم يمتنع أن يفعل شيئاً لأجل شيء، فبطلت الأدلة القصدية على أصلكم، وهي أخصّ بالدلالة من غيرها.

ولهذا لا يكادون يستدلّون بكلام الله، بل يعتمدون في السمعيات؛ إمّا على ما عُلم بالضرورة أو الإجماع١.


١ يُخبر شيخ الإسلام رحمه الله عنهم قائلاً: "فهؤلاء تجد عمدتهم في كثير من الأمور المهمة في الدين إنما هو ما يظنونه من الإجماع. وهم لا يعرفون في ذلك أقوال السلف ألبتة، أو عرفوا بعضها، ولم يعرفوا سائرها، فتارة يحكون الإجماع، ولا يعلمون إلا قولهم وقول من ينازعهم من الطوائف المتأخرين؛ طائفة، أو طائفتين، أو ثلاث، وتارة عرفوا أقوال بعض السلف. والأول كثير في مسائل أصول الدين وفروعه، كما تجد كتب أهل الكلام مشحونة بذلك، يحكون إجماعاً ونزاعاً، ولا يعرفون ما قاله السلف في ذلك البتة، بل قد يكون قول السلف خارجاً عن أقوالهم". مجموع الفتاوى ١٣٢٥،، ٤٧١-٧٢. وانظر ما سبق في هذا الكتاب، ص ٥٧٣-٥٨٠، ٧٠٩-٧١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>